الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
شهد لبنان بعد الانفجار الذي أصاب مرفأ بيروت الاقتصادي تحركات سياسية غربية، تمثّلت في اتصالات رؤساء دول وحكومات مع المسؤولين اللبنانيين للإعراب عن تعاطفهم مع مصاب لبنان الجلل.
اللافت في هذه التحركات، التحرك الفرنسي المتمثّل بزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الخاطفة إلى مرفأ بيروت المدمّر، وكان الهدف منها، أن يستمع ويحصل على معلومات حول أسباب الانفجار ونتائجه، ويعرب عن تعاطفه دون أن يحمل أيّ مبادرات، باستثناء الدعوة لعقد مؤتمر دولي في باريس لتقديم مساعدات عاجلة للبنان، ودعوات إلى التغيير السياسي وقيام عقد اجتماعي جديد في لبنان.
وقد تزامنت الزيارة مع تصاعد أصوات لبنانيّة تطالب بتدويل القضية، وتحرّك شخصيات رخيصة سياسياً وإعلاميّاً تنادي بعودة الوصاية والاحتلال الفرنسي.
هذه الفئة الضالة التي استغلّت مشاعر اللبنانيين وتعاطف العالم معهم، وجدت بزيارة ماكرون ودعواته فرصة لاستغلال المشاعر للتحرّك سياسيّاً من جديد للارتماء بأحضان الغرب والاستعمار، والعمل لتحقيق الأهداف الغربية بعزل لبنان عن محيطه العروبي وأمّته العربية.
لقد استغل ماكرون تعاطف شعبه مع لبنان في مصابه الجلل لما يحظى به من مكانة بارزة في قلوب الفرنسيين، واستغلّ حاجات الشعب اللبناني نتيجة وضعهم الاقتصادي المأساوي بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه غربيّاً، في محاولة لتحقيق مكاسب سياسيّة تخفّف من مأزقه الداخلي بعد الإضرابات والاحتجاجات الشعبية في العاصمة باريس والمدن الفرنسيّة احتجاجاً على سياساته، فماذا وراء تحرّكه؟.
يلاحظ من التحرّك الفرنسي الذي يتناغم مع الموقف الأميركي والمواقف الغربية الأخرى، أن ماكرون أراد توجيه رسالة ظاهرها حقّ وباطنها يراد بها باطل، تتمثّل بخطّة سياسيّة غربيّة قديمة جديدة للبنان تهدف إلى خلق جوّ سياسي داخله يتناغم والتوجهات الغربية، بما يعيده إلى الوصاية والاحتلال الفرنسي الغربي، وذلك من خلال تأليب الشعب اللبناني على النظام السياسي القائم بحجة التقصير والفساد، والعمل على إحداث تغيير عام وفق خطة سياسيّة غربية تضع فرنسا وأميركا خطوطها العريضة، مثلما وضعت فرنسا الاحتلال والنظام الطائفي من قبل قيام النظام الجمهوري بلبنان، وهو ما أشار إليه ماكرون خلال الزيارة عندما تحدّث عن ضرورة إجراء تغيير سياسي وقيام عقد اجتماعي جديد، وأنّ المساعدات ستصل إلى الشعب مباشرة دون أن يكون أيّ دور للحكومة اللبنانية.
كما تهدف الخطة إلى وضع لبنان تحت المنظومة العسكرية الغربية الأطلسية تحت مسمّى حماية أمنه واستقراره السياسي، بما يمهّد لاحقاً للتدخل في شؤونه الداخلية، من خلال مناصرة الفئة المؤيّدة للمشروع الغربي ضدّ أغلبية الشعب اللبناني الملتزمة بمصلحة الوطن والدفاع عن حقوق وأرضه المحتلة.
وهو ما ألمحت إليه التحرّكات الغربية لجهة تحميل المقاومة الوطنية تبعات الانفجار في مرفأ بيروت، كما فعلت عند أحداث 2005، للضغط على قوى المقاومة كي توقف دورها في تحرير الأرض المحتلة ومواجهة العدوان الصهيوني المستمر ضدّ لبنان.
وبالتالي العمل على تغيير مواقف لبنان السياسية، وتحويلها من جبهة المقاومة والصمود إلى جهة القبول بالمخطّط الغربي، بما يمهّد لإسقاط فكرة المقاومة على مستوى لبنان، والتحوّل نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لقد حملت التحرّكات الفرنسيّة والغربية دعوات حقّ يراد بها باطل، إذ أرادت تحت راية الاستعطاف والمساعدات الإنسانية تأليب الشعب اللبناني وانقسامه على نفسه، والتحريض مجدداً للفتنة الطائفية والحرب الأهلية، التي عانى لبنان من ويلاتها طوال عقود من القرن الماضي، وفصل لبنان عن محيطه العروبي وعزله عن أمّته، ورميه في أحضان الاستعمار والاحتلال وتبعاته الغربية.