ثورة اون لاين – عمار النعمة:
(وقائع الندوة الثقافية «عبد الله عبد… القاص المنسي»)، عنوان كتاب صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب إعداد وتوثيق: د. إسماعيل مروة، نزيه الخوري ب 126 صفحة من القطع الكبير .
عبد الله عبد ليس اسماً عادياً، هو قاص سوري عاش الحياة بكل تقلباتها، عاش عاملاً وكادحاً، وثقّف نفسه بنفسه، فعُجن بالعمال وعُجنوا به، صوّر في أدبه وإبداعاته الكثير من معاناة العامل الإنسان، الفقير والكادح. ولم يلتفت إليه الدارسون كثيراً؟ رافق وجود عبدالله نشاط قصصي في ميدان القصة القصيرة وفي ميدان أدب الطفل وقد يكون عبدالله من القلة القليلة من الآدباء الذين أخلصوا لأدب الطفل وللكتابة فيه من خلال الدوريات الموجودة في سورية وعلى رأسها مجلة أسامة للأطفال.
عاش حياة الفقر،فكان عاملاً رأى المعاناة وصوّرها، رأى الإخفاق وتحدث عنه،عمل على نقل رؤى يريدها فزين أدب الأطفال بالقصص والحكايات،وجعل أدب الطفل أدباً مميزاً،ومع ذلك لم يحظ عبد الله عبد بالدراسة والتقييم، لأن هذا الأديب لم يعمر طويلاً وكان إبداعه بعيداً عن المركز نوعاً ما،وإن كان النشر يتم في دوريات المركز في العاصمة أو في مطابعها .
يقدم الكتاب ابحاثا ثلاثة قد لاتفي بالحاجة لكنها فاتحة لدراسة هذا القاص وقراءة أدبه المضمخ بالشجن والألم والحكاية والتراث الموجه للطفل والكبير. حسن م.يوسف قدم مداخلته بعنوان (الطفولة عند عبدالله عبد ) وفيها قال: أول ما استوقفني وأنا أعيد قراءة المجموعات القصصية الثلاثة التي كتبها عبدالله للأطفال هو العناوين التي اختارها لها،فقد حملت المجموعة الأولى عنوان (العصفور المسافر) كما حملت المجموعة الثانية التي صدرت بعد وفاته عنوان (الطيران الأول) وكلا العنوانين له علاقة بالطيور والطيران،ولعل هذا يعبر بشكل غير مباشر عن رغبة المبدع في الانعتاق من قيوده الأرضية والتحرر من واقعه البائس .
ويتابع م. يوسف مداخلته موضحاً أن القصة عنده تولد ويولد شكلها المتميز معها؛ فعبد الله عبد في مجمل قصصه يأخذ شخصياته وأفكاره من قاع المدينة، من الأزقة الضيقة والبيوت المتراصة، من البؤس الذي يعانيه والبؤس الذي يعيشه مع الناس من حوله. وحينما يتوجه في قصصه إلى الأطفال فإنه يحترم قراءه الصغار بقدر احترامه لقرائه الكبار، وربما أكثر. فهو يخاطب الطفل كصديق له ولا يغالي في التأستذ عليه، كما يحترم ذكاءه ولا يستخف بقدراته.
بدوره د. عاطف البطرس أكد في مداخلته (من القصة إلى الرواية) بأن المرجعية الواقعية لعبد الله عبد، وموقفه من المظلومين، وانحيازه إلى أبناء الفئة الاجتماعية التي خرج منها، تبقى أهم مكوناته الفنية والفكرية التي تجسدت فنياً في أعماله الإبداعية فعبد الله عبد في مجمل أعماله اعتمد البساطة دون الوقوع في فخ التبسيط، معتمداً على حبكة مشوقة، بلغة سهلة تتجاوز الواقع دون أن تقطع صلتها به،كما أن اللغة لم تسرقه كما فعلت عند غيره من كتاب القصة والرواية، إذ إنه بقي أميناً للسرد وليس للغة بوصفها إنشائية متعالية. فهو لم يؤخذ بحداثوية الشكل مفصولاً عن المضمون، ولم تسرقه ألاعيب وحذلقات من ادعوا الحداثة لإبهار الناس. وعليه فإن عبد الله عبد قد احتل مكانته ككاتب قصة قصيرة بامتياز، كما أن الكثير من قصصه يخرج نصه السردي عن بنية القصة القصيرة ليقارب مفهوم الرواية أو يلمس ضفافها، وهذا ما دفعه للانتقال من القصة القصيرة إلى الرواية التي لم يكتب منها سوى رواية واحدة فقط قد يكون الموت المبكر هو من دفعه إلى الإحجام عن مواصلة الخوض في هذا الجنس الأدبي، أو ربما نتيجة اكتشافه الباكر أن مكانته في السردية السورية العربية تتأتى من القصة وليس من الرواية .
أما د. إسماعيل مروة فرأى أن القاص والأديب عبد الله عبد والذي تعلم متأخراً، وحاز شهادته، ولم يمنعه من ذلك أي مانع، قد تأثر بالأدب العربي القديم، وتأثر بالقرآن الكريم، وتأثر بحكايا الجدات، وبالموروث، والمثل التي تركت أثرها في أدبه .
ويضيف د.مروة من هنا اخترت أن اتحدث عن الموروث في أدبه وقد تجلى في عدة مناح : المنحى الأولى في لغته فقد كانت لغته لغة سليمة وتميل إلى العلو في كثير من مفاصلها.
وفي الصورة التي وجدت منفسحاً في كتاباته وكأنني أمام البحر مدى يرقبه عبدالله لينسج منه حكاية لانهائية في صور تنداح كأمواج البحر .
إذن : عبد الله عبد قاص كبير لايستحق أن يكون منسياً، لكنه طاله الكثير من النسيان والإهمال.
التالي