الحوار الوطني وثقافة المواطنة

 الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم: 

يشكّل الحوار الوطني مدخلاً وأسلوباً لا بدّ منه، لمعالجة الأزمات الوطنية الكبرى، ولتحقيق الأهداف والثوابت، إذ لا حوار دون أهداف جوهرية، ولا حوار من أجل الحوار؟!
وطاولة الحوار هي الملاذ الوحيد الذي يجمع كلّ الأطراف، مهما بلغت درجة الاختلاف، بعيداً عن أي خلفيات، أو تموضعات، أو شروط مسبقة، وحتى ينجح أيّ حوارٍ وطني، يجب أن يتم تحت سقف الوطن، ويرتكز إلى مبادئ أساسية:
الحفاظ على سيادة الدولة واستقلالها واستقرارها، وصون ترابها الوطني، وتنشيط وتفعيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونشر ثقافة المحبة والتسامح ونبذ التعصب والكراهية.
إنّ الحوار الوطني، كأسلوب ومدخل، سواء أكان داخل الدولة أم خارجها، يجب أن يتم في أجواءٍ تسودها الثقة والطمأنينة، للوصول إلى دولة المواطنة، وتعزيز ثقافة المواطنة التي هي مدخل حقيقي للحوار، وغالباً ما يكون برعاية دول صديقة أو حليفة له، لضمان نجاحه، ويهدف إلى بلورة عقد جديد ينظّم العلاقة بين أفراد المجتمع، أو يعيد صياغة أو تعديل دستور البلاد المعمول به، هذا الحوار يستند بالدرجة الأولى على ترسيخ هذه الثقافة وتعزيزها والارتقاء بها، كونها من أساسيات ومرتكزات النجاح، لأي حوار وطني جامع يأخذ بالحسبان، المبادئ الأساسية للحوار: الحفاظ على السيادة، وصون التراب الوطني، وعدم التدخل الخارجي، وهي مقدمات لبدء أي حوار وضمان أكيد لتطوره ونجاحه.
يؤكد السيد الرئيس “بشار الأسد” هذه الحقيقة مخاطباً الشباب:
“هذه الحوارات باتت حاجة ملحّة لكلِّ مجتمع تفرض عليه تحديات كبرى كالتي نواجهها، والتي تتطلب تماسكاً ووعياً مجتمعياً، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الجلوس مع جميع الأطراف والتحاور معها”.
لعلَّ ثقافة المواطنة، هي نقطة البدء في هذه العملية السياسية، لأنها مفتاح الدخول إلى حلولٍ ناجعة لكل الأزمات، وهذه الثقافة تعني ممارسة الحقوق والواجبات بمسؤولية ووعي، وارتباطها بشكل مباشر بالوطن والانتماء الوطني، بعيداً عن التموضعات المسبقة، التي تُضعف بشكلٍ أو بآخر هذه العلاقة.
فكما للمواطن حقوق يؤديها المجتمع والدولة له، أيضاً عليه واجبات يجب عليه أن يؤديها ويلتزم بها ضمن القوانين والأنظمة النافذة، ولعلَّ أبرز تلك الحقوق، وأهم تلك الواجبات المقدّسة، الدفاع عن الوطن ضدّ كل ما يهدد أمنه واستقراره وسيادته، سواء من الخارج أم من الداخل، وهنا يبرز بشكلٍ جلي وواضح، الشعور الوطني النبيل الذي هو أساس ثقافة المواطنة الفاعلة والمؤثرة.
إنّ ثقافة المواطنة تنطلق من ركنين أساسيين، الأول شعور ذهني ونفسي يتمثل بحب الوطن والتمسك بترابه، والاقتناع وبوعي، في ممارسة الحقوق والواجبات، والركن الأساسي ممارسة المواطنة من خلال الالتزام، واحترام الأنظمة والقوانين النافذة ضمن البلد وعدم خرقها، وهي ثقافة تراكمية تبدأ من الأسرة مروراً بالمدرسة والجامعة، وبالتالي مسؤولية هذه التنشئة تقع بالدرجة الأولى على المجتمع والتربية والمنظمات الشعبية والأهلية.. من ثمَّ ممارسة العمل السياسي، وفق الأنظمة والتشريعات التي يحددها دستور البلاد.
إنّ مفهوم المواطنة، هو مفهوم قديم قِدم المجتمعات البشريّة، التي نظمت حياتها وعلاقاتها فيما بينها، بأنظمة وقوانين تضمن كرامة الإنسان وحقه في الحياة، وضمنت حقوقه كافة، كحرية المعتقد وحرية الرأي والتعبير.. الخ، إضافة للواجبات التي تترتَّب عليه، كونه عضواً منتمياً لهذه المجموعة البشرية التي تعيش على أرض واحدة تسمى «الوطن»، حيث تتعمق ثقافة المواطنة من خلال المساواة في الحقوق والواجبات بين كافة أفراد المجتمع، وبالتالي يزداد هذا الوعي ويتجذَّر في النفوس، وصولاً إلى مجتمع تسوده العدالة والمساواة، لا غبن فيه ولا ظلامة أو تفرقة، فيزداد العطاء ويعم الاستقرار وينتفي الظلم، فالكلّ متساوٍ أمام القانون.
إن التنشئة الأخلاقية والقانونية للمواطن، تسهم في نبذ التفرقة على أي أساس كان، وتدفعه لحب الوطن والدفاع عنه، وللتمسك بهويته الوطنية التي تجسّد هذا الانتماء بوعي فكري وسلوك يومي، يترجمه إلى أفعال وسلوكيات إيجابية.
ومسألة الانتماء لهذا البلد أو ذاك، لا تكون بحملِ جنسيته أو هويته، بل الانتماء الوطني الحقيقي، يكون بالدفاع عن الوطن والتضحية في سبيله، وبالوعي والمعرفة واحترام الأنظمة والقوانين، والحفاظ على الممتلكات العامة، وفي هذا المعنى أكّد السيّد الرئيس “بشار الأسد” وفي أكثر من مناسبة، على مفهوم الوطن والوطنية والمواطنة:
“الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته، بل لمن يدافع عنه ويحميه”.
إنّ اختلاف الآراء في أيّ مجتمع، يعطيه ديناميكية وحيوية دائمة، وبالتالي يأتي الحوار لتعزيز ثقافة الرأي والرأي الآخر، بعيداً عن التعصب والتمترس خلف أجندات خارجية، هدفها ضرب البنية الاجتماعية للبلد، من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وصولاً إلى تفتيت هذا المجتمع وضرب استقراره وسلمه الأهلي.
وتجارب الكثير من البلدان التي تعرضت لأزمات داخلية هددت بنية المجتمع، نجحت في التوصل إلى اتفاق وطني شامل عبر الحوار، ولعل الأشقاء في لبنان، نجحوا في وقف الحرب الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي، بعد خمس عشرة سنة من الحرب والاقتتال والدمار، والتوصل إلى اتفاق الطائف برعاية سورية. الاتفاق الذي يعتبر دستوراً جديداً في لبنان، حيث نظّم العلاقة بين الأفرقاء وبين سلطات الدولة، رغم ما يؤخذ على هذا الاتفاق من ثغرات، ورغم استناده إلى مقومات طائفية، حيث طالب اللبنانيون وفي أكثر من مناسبة، بتعديل بنود اتفاق الطائف كي يتماشى مع التطور السياسي والاجتماعي الذي تشهده البلاد.
في سورية وخلال الحرب الكونية التي استهدفت الدولة والشعب السوريين، كانت دعوات للحوار الوطني وفق أسس ومقومات وطنية، إذ لا نجاح لأي حوار إلا من خلال التمسك بالثوابت الوطنية التي دعت إليها الدولة والقيادة السورية في أكثر من مناسبة، مؤكدة أن أي حوار، يجب أن ينبثق من السوريين أنفسهم، وهم من يقود الحوار، ورفض أي تدخل خارجي يمسُّ القرار الوطني المستقل.
إنّ الدعوة للحوار، تأتي من قناعة تامة بأن السوريين، هم وحدهم الأكثر قدرة على صوغ دستورهم، واختيار شكل الحكم الذي يريدونه، بعيداً عن أيِّ تدخلات أو إملاءات خارجية، هدفها ضرب بنية المجتمع واستقراره وعيشه المشترك، استناداً إلى ثقافة المواطنة التي هي مفتاح الاستقرار والتطور في المجتمع.

التاريخ: الثلاثاء9-2-2021

رقم العدد :1032

 

آخر الأخبار
"اللاعنف".. رؤية تربوية لبناء جيل متسامح انفتاح العراق على سوريا.. بين القرار الإيراني والتيار المناهض  تحدياً للدولة والإقليم.. "حزب الله" يعيد بناء قدراته العسكرية في جنوب لبنان سوريا بلا قيود.. حان الوقت لدخول المنظمات الدولية بقوة إلى سوريا قوات إسرائيلية تتوغّل في ريف القنيطرة الاقتصاد السوري يطرق أبواب المنظومة الدولية عبر "صندوق النقد" القطاع المصرفي عند مفترق طرق حاسم إسرائيل في حالة تأهب قصوى للقاء بن سلمان وترامب الآباء النرجسيون.. التأثير الخفي على الأطفال والأمهات بناء الثقة بالحكومة من بوابة التميز في خدمة المواطن مشروع الهوية التنموية.. تحديات وفرص رفع معدلات القبول يشعل جدلاً واسعاً بين طلاب المفاضلة الجامعية "تجارة وصناعة" دير الزور تسعى لإطلاق مشروع تأهيل السوق المقبي البحث العلمي في جامعة اللاذقية.. تطور نوعي وشراكات وطنية ودولية حين يختار الطبيب المطرقة بدل المعقم محادثات أميركية ألمانية حول مشروع توريد توربينات غاز لسوريا قطر والسعودية وتركيا.. تحالف إقليمي جديد ضمن البوصلة السورية  الرؤية الاستراتيجية بعد لقاء الشرع وترامب.. "الأمن أولاً ثم الرخاء" ترامب يعد السوريين بعد زيارة الشرع.. كيف سينتهي "قيصر"؟ تغيرت الكلمات وبقي التسول حاضراً!