الجميع يتحدث عن سعر الصرف والغلاء المرتبط به والذي جعل الذهب يقفز قفزات كبيرة بين يوم وآخر والجميع يتحدث عن الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع والاحتياجات الغذائية والضروريات جداً..
ولكن.. الجميع وكذلك لا أحد -على حد سواء- تحدث عن دور المواطن نفسه في وضع حد لفجور الجشع لدى التاجر وصناعي الغذائيات، ولم يتحدث أحد عن ضرورة تكاتف المواطنين مع أنفسهم في الوقوف بوجه استغلال ممنهج، لدرجة خرجت معه نسبة كبيرة من المواد الغذائية من قائمة إنفاق المواطنين.
تبدأ القصة بمجرد حدوث تغير في سعر الصرف، حيث تباشر الارتفاعات في كل ما يتصل ولا يتصل بحياة المواطن، وهي ارتفاعات جاءت نتاج متوالية واسعة النطاق من الأخطاء الناجمة عن الأنانية والفردية لدى الباعة والموزعين، الذين يزيدون نسبة أخرى من الربح على الارتفاع الأساسي الذي أقرّه المتحكم بالمادة، اعتقاداً منهم أن ذلك يقتصر عليهم، ولكن الشاري من أصحاب المصالح سيرفع أجره أو نسبة ربحه كذلك، ومن تعامل معه ستصيبه العدوى ليجد المواطن نفسه بعد أيام وسط حالة من فوضى الأسعار الكاوية..!!
لو اقتصر تعامل البائع أو الموزع على الربح الأساسي (وهو ليس بقليل في جميع الأحوال) لكانت حلقة الجشع قد كُسرت وتوقفت كرة الثلج السعرية عن التضخم، وهي تجربة ليست بالبسيطة بل تعتمد بالدرجة الأولى على عامل مهم يشكّل عمود الخيمة في كل ما سبق (الأخلاق).
لم يتبق من حل أمام المواطن للوقوف في وجه الغلاء المسعور إلا المقاطعة، وكسر حلقة رفع الأسعار من قبل الباعة وصغار الموزعين، تبعاً لكونها تمسهم في حياتهم وأولادهم كما تمس المواطن العادي، على اعتبار الحيتان الكبار يرفلون في نعيم ما جمعوه من جيوبنا، في ظل ذهول واضح من المؤسسات ذات الصلة التي تقتصر نشاطاتها على صورة موظف كبير فيها يتأمل صندوقاً من البندورة بعمق ودقّة طبعاً.. وشكّ..
لم تشهد سورية في تاريخها غلاءً كالحاصل حالياً، ولا فشلاً لجهة كالذي حققته مؤسسات الرقابة والتدخل الإيجابي التي تفوقت على نفسها، فالفاشل يفشل في الشيء أو التحدي مرة وانتهت القصة، أما الإعجاز الذي حققته هذه المؤسسات فهو فشلها يومياً وساعيّاً دون أدنى تبرير أو مواربة، بل بصراحة وتحت ضوء الشمس.. فهنيئاً لهم عمق النظرة.. والصبر لنا على ذهولها..
الكنز-مازن جلال خيربك