ملامح نهج أميركي جديد تجاه دول الخليج العربية

الثورة أون لاين – د. ذوالفقار علي عبود:

في أعقاب صدمة النفط عامي 1973 و1979، وفي خطابه عن حالة الاتحاد عام 1980، حذر الرئيس الأميركي جيمي كارتر من مخاطر عدم الوصول إلى نفط الشرق الأوسط، وقال “إن أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سيعد اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية، ومثل هذا الهجوم سيتم صده بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية”.

لاحقاً عرف هذا التعهد باسم مبدأ كارتر، وظل سمة مميزة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين.

في وقت تصريح كارتر، كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على واردات النفط لتزويد اقتصادها بالطاقة، وكان 29% من هذا النفط يأتي من الخليج، بقيت هذه المعادلة مستقرة لعقدين من الزمان، حتى عام 2001.

اليوم، تنتج الولايات المتحدة القدر نفسه من النفط الذي تحصل عليه من الخارج، وتستورد 13% فقط من دول الخليج، فيما تستورد نفطاً من المكسيك أكثر مما تستورده من المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، وحتى عندما أصبح الأساس المنطقي وراء ما يسمى بعقيدة كارتر قد عفا عليه الزمن، فإنه ما زال يشكل نهج الولايات المتحدة تجاه الخليج، وهذا النهج، يشكل رمزاً لفشل سياسة الولايات المتحدة في اللحاق بالتغييرات التي طرأت على المصالح الأميركية في دول الخليج منذ الثمانينيات، باعتقاد منظري السياسة الخارجية الأميركية اليوم.

منظرو السياسة الخارجية الأميركية يقرون اليوم بأنه يجب على الرئيس جو بايدن الاعتراف بالحقائق الجديدة، وإعادة ضبط علاقات الولايات المتحدة في الخليج بطريقة تعزز المصالح الأميركية، مع بقاء واشنطن بعيدة عن التشابكات الخارجية غير الضرورية، وهؤلاء يرون بأنه على الرغم من وجود أسباب عديدة لعلاقات قوية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إلا أن تطبيع بعضها مع إسرائيل هو علامة واضحة على استعداد هاتين الدولتين في ضمان المصالح الأميركية في منطقة الخليج.

كما أن شراكات الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب مع دول مجلس التعاون الخليجي، بالرغم من كونها معيبة في كثير من الأحيان، لا تزال ذات أهمية بنظر هذا الفريق الأميركي، حيث تمتلك هذه الدول معلومات عن الشبكات المتطرفة التي لا تستطيع المخابرات الأميركية جمعها بمفردها، إضافة إلى توسع علاقات الولايات المتحدة الشعبية مع المنطقة، نظراً لوجود عشرات الآلاف من الطلاب من الخليج يدرسون في الولايات المتحدة.

ولكن، ورغم كل ما سبق، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه إلى إنشاء حلف أكثر موضوعية واستقراراً بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي يتنصل من مبدأ كارتر، فقد حان الوقت للاعتراف بأن هناك خللاً مركزيّاً في نهج الولايات المتحدة الحالي تجاه الخليج، فأهم أولويات دول مجلس التعاون الخليجي للعلاقة مع الولايات المتحدة هو الحفاظ على المساعدات العسكرية الأميركية لخوض حروب إقليمية بالوكالة، والحفاظ على صمت الولايات المتحدة بشأن السياسة الداخلية لهذه الدول والقمع، والذي سيدمر على المدى الطويل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها.

النهج الجديد الذي يريده الفريق المذكور سيبني العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج أساسه العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والحوكمة، بدلاً من مجرد الشراكات الأمنية الوحشية، سوف يعود بالفائدة على مصالح الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، فتجنب الحروب بالوكالة هي الخطوة الأولى لأن تنفصل الولايات المتحدة عن حروب دول مجلس التعاون الخليجي بالوكالة وخصوصاً مع إيران، فصحيح بأن الحكومة الإيرانية هي خصم للولايات المتحدة الأميركية، لكن سلسلة النزاعات الساخنة والصراعات في المنطقة أضرت بمصالح واشنطن وفق هؤلاء المنظرين، وخلقت مستويات كارثية من المعاناة الإنسانية، ولا شك في أن الانسحاب الأميركي من أماكن مثل سورية واليمن سيسبب ذعراً فورياً في الخليج، إلا أنه ومع ذلك فإن التكاليف الهائلة للاعتقاد الخاطئ بأن الولايات المتحدة يمكنها توجيه النتائج لمصلحتها بشكل غير مباشر في سورية واليمن باتت واضحة تماماً، ففي كلا البلدين، لم يكن التدخل العسكري ناجحاً في قلب الموازين، بل أدى بدلاً من ذلك إلى تعقيد الأوضاع.

الولايات المتحدة تعاني من ثقة متغطرسة في قدرتها على تحقيق أهداف سياسية من خلال التدخلات العسكرية، ولكن التأثير الأكثر أهمية للمغامرات الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط كان تأجيج الحروب التي تشجع الجماعات المتطرفة وتسمح بنمو المشاعر المعادية لواشنطن.

منظرو السياسة الخارجية الأميركية يرون بأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بشراكاتها الأمنية مع دول الخليج، إلا أن التأثير الأميركي يجب أن يكون أقل، فقبل حرب الخليج، كانت الولايات المتحدة قادرة على حماية مصالحها في المنطقة دون قواعد عسكرية ضخمة في البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية ودون مليارات من مبيعات الأسلحة السنوية لهذه الدول نفسها.

واليوم يتصرف مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن كما لو أن هذا الوجود العسكري الضخم أصبح إلزامياً لحماية المصالح الأميركية، وهذا الاعتقاد لم يكن موجوداً قبل إنشاء الدولة الأمنية في واشنطن بعد أحداث 11 أيلول 2001، فالقواعد الأميركية مكلفة جداً، وتجعل التركيز بعيداً عن المناطق ذات الأهمية المتزايدة مثل إفريقيا وآسيا؛ كما أن حكومات الخليج تطالب الولايات المتحدة بتجاهل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خشية أن تعرض أي احتجاجات وجود القوات الأميركية للخطر.

اليوم وبينما يجري وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مراجعة عالمية للوضع العسكري للولايات المتحدة، يجب على إدارة بايدن التفكير بجدية في تقليص قواعدها العسكرية في المنطقة، فإعادة النظر في تكاليف وفوائد تأسيس الأسطول الخامس في البحرين يشي بأن الوجود النوعي للولايات المتحدة أصبح مشكلة لواشنطن نفسها.

المنظرون يعتقدون بأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في بيع المعدات العسكرية لشركائها، إلا أنه يجب عليها التأكد من أنها تبيع أسلحة دفاعية، فاليوم يتم استخدام الكثير من الأسلحة الأميركية بشكل غير مسؤول وفي انتهاك صريح للقانون الدولي كما في الحرب على اليمن، مثل بيع طائرات ريبر دون طيار التي تم الإعلان عنها مؤخراً للإمارات، وهذا ما يغذي سباق تسلح إقليمي يتعارض مع المصالح الأمنية الأميركية.

اليوم إدارة بايدن بدأت تتحرك حيث أنهت دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية، وعينت مبعوثاً خاصاً جديداً لدعم عملية السلام التابعة للأمم المتحدة، وإذا تمكنت واشنطن من إيجاد طريق نحو السلام في اليمن، بحيث تتعايش حكومة يمنية جديدة تشمل حركة أنصار الله، وتعيد البلاد بناء نفسها بمساعدة دولية، فقد يكون ذلك دليلاً على نجاح مساعي الحوار.

إن انخفاض عائدات النفط لدول الخليج يشير إلى أنها ستحتاج قريباً إلى اتخاذ خيارات صعبة بين الاستثمار في الإصلاحات الاقتصادية أو خوض الحروب في البلدان الأخرى، وبالنظر إلى هذه الصراعات المستمرة، وسيطرة الدولة على الاقتصادات المحلية، فإن جذب الاستثمار الأجنبي الهادف إلى المنطقة هو إلى حد كبير سبيل لتقليل التوترات في المنطقة، ولا بد من تقويض مساعي السعودية لنشر الإسلام الوهابي في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حيث تشكل هذه العلامة الفارقة المتشددة وغير المتسامحة للإسلام، اللبنات الأساسية للأيديولوجية المتطرفة.

اليوم لدى إدارة بايدن فرصة لإعادة ضبط شراكات واشنطن مع دول الخليج، ويجب على الولايات المتحدة أن تقود حملة بشأن قضايا حقوق الإنسان في تلك الدول، كذلك يتعين على إدارة بايدن، وفي أعقاب هجمات مناصري دونالد ترامب على الكابيتول، أن تطابق حديثها عن سيادة القانون والحقوق المدنية بأفعال في الداخل والخارج، فأمام الولايات المتحدة عمل صعب لتحسين سمعتها العالمية.

وتعرف واشنطن أنه إذا كانت دول الخليج تريد حقاً جذب الاستثمار الدولي، فعليها أن تتصدى للحملات القمعية الوحشية المستمرة ضد المعارضة السياسية وضد سيادة القانون. فالاستثمار الخاص الخارجي الجاد سيبقى غائباً طالما أن هذه الدول تعذب السجناء السياسيين، وتحافظ على “نظام وصاية” شديد القسوة يحد من قدرة المرأة على السفر، ويضايق المعارضين في الخارج باستمرار.

يجب على الولايات المتحدة أن تقنع هذه الأنظمة على فهم أن الصفقة الاجتماعية القائمة منذ فترة طويلة المتمثلة في “لا ضرائب، ولكن لا تمثيل أيضاً” لا يمكن أن تستمر. ونظراً لأن النمو السكاني يفوق عائدات النفط، فلن تتمكن العائلات المالكة قريباً من تحمل هذا الوضع. وبمجرد ضمور الإعانات واستمرار القمع، ستندلع عاصفة من الاضطرابات الكارثية.

صحيح أن بعض المنظرين سيقولون إذا دفعت إدارة بايدن بهذا الاتجاه فسوف يبتعد قادة الخليج عن الولايات المتحدة باتجاه الصين أو روسيا، لكن هذه الحجة غير واقعية، فلا يمكن لدول الخليج الاستغناء عن الاصطفاف العسكري مع الولايات المتحدة، وليس لدى روسيا اهتمام كبير بالمنطقة، ومع استمرار انخفاض استخدام النفط العالمي، ستتنافس موسكو حتماً مع دول الخليج على المشترين، أما الصين فستواصل البحث عن فرص اقتصادية في المنطقة، إلا أنها لن تكون راغبة في لعب دور أمني حقيقي في أي وقت في المستقبل القريب، والبحرية الصينية لن تقدم المساعدة لدولة خليجية تتعرض للهجوم، إذا هدد البحرينيون، أو الإماراتيون، أو السعوديون بالتحول إلى قوى أخرى.

بشكل عام، أصبحت مبررات السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه دول الخليج متقادمة، وغير متسقة، حيث تغيرت مصالح الولايات المتحدة ولكن سياستها لم تتغير، ولدى إدارة بايدن فرصة لإعادة ضبط شراكات واشنطن مع دول الخليج على أسس جديدة، سيكون الأمر صعباً ومؤلماً ويثير استياءً خليجياً شديداً، لكن الترتيبات الناتجة عن هذا النهج الجديد ستكون مفيدة للطرفين، حيث ستعزز المصالح الأميركية بينما تقرب دول الخليج من المستقبل الذي يزعمون أنهم يطمحون إليه، وفق منظري السياسة الخارجية الأميركية.

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى