الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
حاولت قوى الظلام عبثاً خلال السنوات العشر الماضية إطفاء جذوة النور من خلال التدمير والتخريب والترهيب ، إلا أن السوريين بأطيافهم كانوا الأقوى والأبقى والأوعى.. وطالت تلك المحاولات مختلف مناحي الحياة بما فيها الفن السابع الذي استطاع أن يكون شعلة مضيئة وبوصلة تحمل الرؤى الفكرية والبصرية والجمالية والإنسانية عبر حراك متنوع الجوانب والأهداف. فالسينما في سورية لم تخبُ رغم المصاعب بما فيها الحصار الجائر ، لا بل استمرت بدفع أكبر وأقوى مكرسة حضورها على أكثر من صعيد.
ولقراءة المشهد بشكل صحيح علينا العودة إلى عام 2011 حين بدأت المصاعب التي تواجه السينما السورية تتزايد وتضرب في أكثر من مكان ، فتم تعليق الدورة (19) من مهرجان دمشق السينمائي التي كانت مقررة في شهر تشرين أول حينها ، كما رفض منظمو تظاهرة (شاشات سينما عربية جديدة) التي تُقام في فرنسا حضور فيلم (مرة أخرى) ومخرجه جود سعيد ضمن التظاهرة بعد أن اختاروه للمشاركة فيها لأن رأيه ومواقفه ليست على هواهم.. هذا غيض من فيض عن المصاعب التي اعترضت الحراك السينمائي السوري ، وكان السؤال حينها ، هل لذلك أن يُفرمل دور هذا الحراك؟.. وسرعان ما أتت الإجابة من خلال العمل الدؤوب ، فبلد تمتد جذور حضارتها إلى عمق التاريخ سيعمل مبدعوها دائماً ليكون لهم دورهم الفاعل والمؤثر على خارطة الإنجازات المعاصرة . وما حدث أن وتيرة الإنتاج السينمائية تضاعفت ما بين أفلام طويلة وقصيرة ، وأقيمت تظاهرات سينمائية متنوعة وأنشطة في عدد من المحافظات السورية ، كما استمرت العروض السينمائية في صالات الكندي في المحافظات بما فيها كندي دمر التي دخلت الخدمة الفعلية في (شباط 2011) .
سقطت المراهنات وسنة بعد أخرى ازدادت الأنشطة واتسع الحراك السينمائي متعدد الأوجه وبات أكثر غنى.. فخلال السنوات العشر الماضية وعلى الرغم من الحصار المفروض على سورية وضيق حيز المشاركة في المهرجانات السينمائية إلا أن الفيلم السوري حط رحاله في عدد منها محققاً حضوراً هاماً حاصداً الجوائز في أكثر من مكان ، كما تم إطلاق مشروع دعم سينما الشباب عام 2012 ، وأقيمت الدورة الأولى من مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة عام 2014 والذي أخذ بالتطور سنة بعد أخرى ، وفي العام الذي تلاه افتتحت دورات دبلوم العلوم السينمائية وفنونها بالتعاون مع المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني ، كما تم الاهتمام بثقافة الطفل السينمائية والسعي إلى صقل المواهب في هذا المجال ، واستمرت المجلة الفصلية (الحياة السينمائية) الصادرة عن وزارة الثقافة ـ المؤسسة العامة للسينما بتقديم وجبة سينمائية تجول فيها على مفاصل من حراك الفن السابع محلياً وعربياً وعالمياً ، كما صدرت مجموعة من الكتب السينمائية ضمن سلسلة الفن السابع ، وأطلقت مسابقة لسيناريو الفيلم القصير ومؤخراً للطويلة ، ولم يكن تحديث الصالات السينمائية خارج الخطة ، حيث تم افتتاح صالة كندي اللاذقية بعد تحديثها في كانون أول 2019 ، وفي تشرين الثاني من العام نفسه تم إطلاق المكتبة الوطنية السينمائية (السينما تك) في كندي دمشق .
من يتابع الحراك السينمائي في سورية سرعان ما يصل إلى نتيجة مفادها أن السينما فعل حياة ، فرغم التحديات حافظت على حضورها القوي في المشهد الثقافي ، وتوّج هذا الحضور مؤخراً بصدور قانون إحداث المعهد العالي للفنون السينمائية ، الخطوة الهامة التي تضع لبنة أساسية في تشييد البنيان الثقافي ودعم الحضور السينمائي السوري.