الليبرالية المتطرّفة والتطرُّف الديني

الملحق الثقافي:هفاف ميهوب :

عندما أطلق مناصرو الحريات الشخصية في أوروبا، مفهومهم الليبرالي، كانوا يدركون أن مجتمعاتهم لابدّ أن تخرج من عوالم الظلمة إلى عوالم النُّور، وقد حقَّقوا ما كانوا يصبون إليه من حرياتٍ متعدّدة ومختلفة، وفقاً لعاداتِ وأعراف كلِّ مجتمعٍ لديهم، وهم يدركون أن عملية التغيير لابد أن يرافقها تجاوزات وانفلاتات أخلاقية وغير أخلاقية، على المستوى الشخصي ومستوى الأسرة، وعلى مستوى الأحياء في كلّ مدينة، وعلى مستوى كلّ مدينة على حدة.
ناضلوا لأجل الحرية، وفقاً لرؤاهم الخاصة، وتلك الرؤى نجحت إلى حدٍّ ما، في تحقيق جلّ أهدافها، ومع ذلك، نرى أن المجتمع الأوروبي عموماً، منقسماً بين الانفلات وبين المحافظة، فلو كانت الليبرالية أدّت إلى انفلات المجتمع وخروجه عن كل الأخلاقيات الإنسانية، لما وجدنا بينهم المبدع، الفنان والرسام والنحّات والكاتب والشاعر والفيلسوف المفكّر، وغيرهم ممن حملوا على عاتقهم مهمة التطور الحضاري علمياً، من مخترعين ومنظّرين علميّين وعلمانيين، لكن، اختلاف الثقافات بين شعوب العالم، أدّى إلى النظر على أن انفتاحهم الحضاري، هو خروج عن الآداب العامة، وهذه النقطة بالذات كانت مسؤولية الإعلام الغربي الذي تسيطر عليه شركات خاصة، تدار من قبل أجهزة تريد أن تقول للعالم الآخر: انظروا إلى تخلفكم أمام تطور الغرب.
وعندما أراد الآخر أن يقلّدهم، فعل ذلك وفقاً لتوجهات ذاك الإعلام الموجّه، فلم نشاهد في البلدان العربية مثلاً، أن جهة ما، حاولت تقليد “نيوتن” أو “أديسون” .. الخ، أو حاولت تقليد الصناعات الكبرى، بل كان التقليد للمظهر الخارجي، للفنان أو الفنانة. المظهر اللامبالي أو المتعرّي، فهل المجتمع الذي أنتج الليبرالية هو المسؤول عن هذا التقليد الأعمى، أم أن المجتمع المُقلِّد هو المسؤول؟!…
في الحقيقة، لدى كلّ مصطلح نسبٌ من الجمال، ونسبٌ من البشاعة، نسبٌ من مفاهيم الخير، ونسبٌ أخرى من مفاهيم الشرّ، فكرة الطيران مثلاً، اختصرت الوقت والزمن عبر الكرة الأرضية، وقد تمّ استخدامها بشكلٍ قاتل ومدمّر، كما تمّ استخدامها بشكلٍ يخدم الإنسانية، ويسهّل لها إمكانية التواصل بين قارةٍ وأخرى على الأرض.
لاشكَّ أن الحرية الشخصية مقدّسة في كلّ دساتير العالم، لكن لها حدود، وهي مدانة أيضاً، وذلك بسبب أعراف أو تسلّط الأفراد على بعضهم البعض، حتى ضمن الأسرة الواحدة، وغالباً ما نجد الكبير في الأسرة الواحدة، وخاصة في مجتمعاتنا العربية، لا يعترف بحرية أخيه الشخصية، إلا وفقاً لمنظوره هو، وهذا التسلّط هو الذي جعل أفراد الأسرة يتطلعون إلى أفكار لا تتلاءم مع المجتمع الذي يعيشون فيه، وفي نفس الوقت، فإن التسلّط الأسري الذي قد يكون مسؤول عنه الأب والأم، أو ربما الأخ الأكبر، كان ومازال في المجتمعات المتخلفة، ودول العالم الثالث، حقلاً خصباً لتسلّل التطرف عبر إيديولوجيات أخرى لا علاقة لها بالليبرالية الوافدة.
هل سأل أحدكم عن ليبرالية الأدلجة الدينية المتطرفة؟!.. وهل تلمّس ليبرالية الأفكار الدينية الداعية للتعصّب والتكفير وإقصاء الآخر، بل وقتله؟!…
ألا تمثّل الليبرالية هذه، حرية شخصية لجماعات دينية، انفصلت عن المجتمع الذي اتَّهمته بالضلال، واتّهمت حرياته بأنها انسلاخ عن عقيدةٍ وترك ديانة، فوجبت محاربته؟.
إن تلك الأفكار جعلت أفراد تلك الجماعات على ماهم عليه من تطرُّفٍ ديني، وهم أنفسهم يسعون لمحاربة الليبرالية الحديثة، كما سعوا لمحاربة القديمة منها، فإذا كانت الليبرالية متطرفة، فهم متطرّفون مثلها.. الليبرالية التي يعاديها هؤلاء المتطرفون، لاتعاديهم بل تفسح لهم المجال أكثر فأكثر، ليوغلوا في تطرّفهم، وفي الإغراق من ملذات الحياة، من مالٍ وأملاك وممتلكات ونساءٍ وتسلّطٍ، لم ولن يُحدُّ، لا في الماضي السحيق، ولا الحاضر المتهالك، ولا المستقبل المجهول.
إذاً، نحن أمام أفكارٍ تولّد الانتماء، فالمسلّح الخارج عن القانون، يعتدّ بانتمائه دينياً، فالجغرافيا لديه لا قيمة لها، وبالتالي الوطن لا قيمة له، والليبرالية الحديثة تدعمه.
لا شكّ أن عقلاء اليوم، يواجهون خياراً ثالثاً بين خيارين، وهو قبول التزمت المتطرّف ومحاربة الليبرالية، أو العكس، والمعلوم أن التطرف الديني أخطر من الليبرالية الحديثة، بل هو شريانها، والشواهد مازالت قائمة في الكثير من البلدان العربية، ومنها بلدنا سورية.
نسأل هنا: من الذي يقود التطرف الليبرالي والتطرف الديني؟.
يجب علينا ألا نفاجأ، بكون الدولة المزعومة المسمّاة اسرائيل، هي وراء خلط المفاهيم ببعضها، فابن الدين الواحد، ينكر دينه على آخر من نفس الدين، ويقوم بإقصائه من الحياة.
إننا أمام استحقاقاتٍ فكرية بعيدة المدى، يجب أن نبدأ بها من الداخل، لتنقية مفاهيم المنظومة الذهنية التي تتربّى عليها الأجيال دينياً، كمرحلة أولى، ثمّ مع التربية الجديدة، نوضّح لهذا الجيل أو ذاك، أخطار المفاهيم الوافدة إليه، كالليبرالية مثلاً، ونعمل على أخذ الصالح منها، ورفض الطالح.
إن حلقات التطور البشري، تبقى رهينة من يُحسن صنع الحلقة من أجود أنواع المعادن، فحلقة الحديد تختلف عن حلقة البرونز، وحلقة البرونز تختلف عن حلقة الذهب والألماس.
التطرّف الليبرالي والتطرف الديني، كلاهما في خندق العداء للإنسانية، وعلينا أن نحسن الدفاع والهجوم على أفكارهما القاتلة، بكامل قوانا وحرياتنا المعبّرة عن الشخصية – الهوية.

التاريخ: الثلاثاء16-3-2021

رقم العدد :1037

 

آخر الأخبار
"أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد