الحريَّةُ الجديدة.. طريقٌ نحو جهنَّم

 

الملحق الثقافي:مجدي صالح *

مصطلحاتٌ ونظرياتٌ تتهاطل علينا، ويُفرض علينا تبنِّيها وإلا صرنا مفسدين في الأرض، وجب غزونا ومحو بلادنا من الوجود.. إنها الحرية الجديدة، وإن لم نطع ونقبل تلك المصطلحات والنظريات، فنحن ضد الحريِّة بكلِّ مضامينها، فهل هناك أغرب من هذا؟!.. لا، يا سادة، لا شيء غريب، حتى الشيطان نفسه صار منّا وفينا!. الغريب في هذا الزمن، أن تملك قراركَ وتستحضر ماضيكَ المجيد، وتعزِّز مكانة حاضرك وتبني غدك، وأن تحافظ على بلدك وكرامته، وأن تقاوم عدوّك وتواجهه!!
ترتبط كلمتيّ الحرية والمساوة، بطريقةٍ يصعب فيها فصلهما في عقولِ متبنيهما، فالمساوة هي الأخرى آلةٌ تخرق الأجساد وتدمغ الرؤوس، فلا رغبة لوجود الاختلاف الصحي والتعدد الثقافي، بل خلق مستوى مساره أحاديٌّ عالمي، ولو بقوَّة السلاح والحصار على وقع معزوفة الحرية. هي حرية لا تسمح بالاختلاف الثقافي، وتفرض الاختلافات السياسية والعسكرية والدينية والمذهبية.
الحرية التي لا يقتصر مدلولها المعجمي على معنى وحيد، فهناك عدَّة معان لها، ومن هذه المعاني، الخلاص من العبودية، وإن رفض المرءُ في هذا الزمان أن يكون عبداً يُؤتمر بما تمليه عليه القوى الخارجية، يكون ضدّ الحرية.
في الحقيقة، الحرية مطلبٌ بشري، ولكن بمعناها الأصيل لا المهجَّن ذات الغرض غير الشريف، فقد تمَّ تعطيل معانيها النبيلة التي يتوق لها أي كائن يتنفس في هذا الكون، وصارت ذات مضمونٍ فوضوي، وبمعانٍ كثيرة تجعلها، حقٌّ شرعي للدول القوية، في شنِّ حروبٍ ضارية ضد الدول الضعيفة والمسالمة..

الحرية اليوم لقيطة، وتتخبّط بحثاً عن نسبٍ لا ترضى بالشريف منه، فالقاتل ثائر، والثرثري صاحب رأي حرٍّ، واللصُّ مالكٌ لرؤوس الأموال، والمواد الإباحية فن، والكتب السوقية إبداع.. وهكذا إلى نهاية القائمة، فالمرء غير حرّ أما رغبته بأن يعيش بسلام وطمأنينة، ولكنه حرٌّ في حمل السلاح والتمرُّد، واستحضار السيف والسكين!. غير حرّ في سعيه لحماية وطنه والذود عنه، ولكنه حرٌّ في اختيار من يستعمره، ويقتل أبناء أرضه.. فالويل كلّ الويل للأمم، من الحرِّية التي تعطينا الحق في أن نختار من يستعبدنا، وويل للأمم التي لها حرية التنقل على مراجل النار حصراً، ولها حرية ممارسة الحياة في غرفِ نومٍ من زجاجٍ.
الحرية الجديدة في واقعها الصريح، تعني حرية السوق، وحرية تفكيك مؤسسات الدولة وخصخصتها، ابتداءً بالصحة، مروراً بالتعليم، وانتهاءً بالجسور والطرقات.. إنها حرية المال وتعويمه، وحرية النفط والخبز والسلع الاستهلاكية.
من الناحية الاقتصادية، ليس للدولة حرية بناء كبرى، لكن لها الحرية في إسناد الأمر لشركة خاصة. لا يحق لها بناء السدود، وإرواء أراضيها، ولا التنقيب عن ثرواتها واستثمارها لإفادة شعبها. لكن، لها الحرية بأن تطلب شركات دولية للقيام بذلك. لا يحق لها زراعة أراضيها والتنعّم بخيراتها، ويحقُّ لها استيراد المزروعات بكافة أنواعها.
أما من الناحية الاجتماعية، فالأمر فيه تشظّ واضح، حيث يتم نقل المجتمع من المسؤولية الفكرية الجماعية، إلى مسؤولية الفرد عن قراراته الكاملة مهما كانت صالحة أو طالحة، فله كامل الحرية في السلوك، فهو ليس مسخَّراً للعيش في خدمة دولته ومجتمعه، بل للعيش في خدمة المجهول، للانتقال من مبدأ عام للمجتمع، إلى مبادئ لا حصر لها، دون أدنى ضوابط أخلاقية، أو ضوابط عامة.
تكون رؤية الفرد هنا، خاصة وتجعله يرى القانون غير قانوني، والدستور غير دستوري، والأخلاق عنصر غير أخلاقي. من هذه النقطة، تنطلق مفاهيم متنوعة غير صحية للفرد نفسه، تشوّش أمامه فضاء الرؤية، فيرى كل الضوابط المنظّمة لحياة المجتمع، مجرد قمع فحسب.
أما من الناحية العملية، فالفرد لا يَنجز مالم يكن برعاية شركة تجارية، وغالباً عالمية، فالإبداع الفردي انقرض، وانقرضت معه وسائل الابتكار السليم، وخاصة الابتكارات الدوائية التي تُعد الآن في أدنى مستوى، مقارنة مع انطلاقه ثورتها في القرن التاسع عشر.
إن نضال الفلاسفة من قبل الميلاد حتى اليوم، لسنِّ قوانين وابتكار نظريات وضوابط عامة، تنظّم أمور وشؤون الإنسان، ينهار بشكلٍ كلّي أمام نظرية الحرية الجديدة، التي لم تراع واجب الانضباط والاستقامة.
يبقى هذا العالم في فوضى لا تتوقف، بل وتُقلقُ الإنسان السوي. يبقى كذلك، مادام محكوماً بمصطلحاتٍ تريهُ الحلول عبر نقطه ضيقة، لا ضوء فيها ولا يعرف إلى أين تنتهي.. ينجرفُ، فتكون النتائج وخيمة عليه وعلى ما أنجزه الإنسان عبر قرون، من علوم إنسانية، إلى وسائل تقنية وطبية وهندسية متنوعة.
 كاتب وروائي يمني

 التاريخ: الثلاثاء16-3-2021

رقم العدد :1037

 

آخر الأخبار
"أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد