الثورة أون لاين -د. مازن سليم خضور:
تعد “لعبة الحرب” واحدة من أكثر نشاطات الأطفال حضوراً عند كافة الأجيال، لتشكل إحدى أبرز الظواهر المنتشرة منذ طفولتنا، فإذا أراد مجموعة من الأطفال اللعب في أزقة الحارات والشوارع كانت لعبة “الحرب” حاضرة بأسلحتها البلاستيكية المتواجدة في المحال التجارية والأسواق بكثرة دون حسيب أو رقيب أو حتى دراسة لمدى تأثيرها النفسي على الأطفال.
ولأن الأمس شبيه باليوم لاتزال هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير، لكن ضمن صور مختلفة فرضها التطور الرقمي المفتوح على شاشات هواتف “العائلة المهددة بالانهيار الاجتماعي” ضمن ألعاب رقمية نواتها الأولى المزيد من العنف والسلاح في ألعاب “أطفالٍ” لم يعودوا كذلك.. و داخل هواتف “كباراً” باتوا أطفالاً بقلوب “متوحشة”.
(pupg ) و(gti) أسماء سلسلة من أكثر الألعاب الالكترونية انتشاراً، و يمكن القول إنهم شكلوا أكثر الانعكاسات الواضحة “للحروب” في التراكم الذهني لشريحة واسعة من الشباب و الأطفال..
في لعبة (gti) مثلا يقدم لك القائمون عليها صورة واضحة لهذا الخطاب و القائم دون خجل على مخاطبة ذلك التراكم الخفي.. إليكم هذا التفريغ الحرفي لأحد الدعايات الترويجية للعبة.. فهل شاهد أحد الوالدين ذلك؟: “نسخة جديدة مطورة من لعبة (gti) ادخل إلى عالم الجريمة وكوّن عصابة متكاملة للاستيلاء على الأموال والمركبات”.
هكذا وبكل بساطة تطيح هذه اللعبة بكامل التراكم التربوي والمعرفي لدى الطفل دون أي اعتراض من “الرقيب العائلي” فلماذا تستغربون من رمي “القنابل” عند أي خلاف عائلي، ولماذا حالة الاستهجان هذه من استخدام “المسدسات” وسيل الدماء عند كل خلاف مهما كان عاديا، فالدعوة لدخول عالم الجريمة ليست وليدة اللحظة وعمرها عشرات السنين !! “نعم لقد كبر طفلكم أيها الأحبة.. أهلا بكم”!.
وألعاب الطفولة لم تبق بلاستيكية بل كبرت ونمت كما لاعبيها وأصبح المسدس البلاستيكي والبندقية الخشبية ذكرى وحلت البنادق الآلية الحقيقية والأسلحة المختلفة.
لن نعود في الزمن كثيراً لاستحضار البينة “الدامية” للدلالة على ذلك، فهي حاضرة في كل وقت، يكفي مثلاً الاطلاع على مجموعة من تفاصيل أكثر الجرائم المتداولة خلال شهر “أيلول” عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهذه بعض عناوين ما نشرته وزارة الداخلية عبر صفحتها الرسمية وخلال أسبوع واحد فقط:
– ثلاثة أشخاص يستقلون سيارة عامة يطلقون النار باستخدام بندقية حربية.
– أب يقوم برمي قنبلتين على منزله بسبب خلافات عائلية.
– شخص يقوم برمي قنبلة في منطقة نهر عيشة إثر خلاف مع زوجته ووالدتها.
– أحد المطلوبين يشهر قنبلة يدوية على دورية شرطية.
انتشار السلاح المعروف بـ”فوضى السلاح” و”سلاح الفوضى” الذي بتنا نعيشه مع بداية الحرب على سورية بشكل واضح، ولا نقول هنا إن انتشار السلاح لم يكن موجودا سابقاً، لكننا نتحدث عن شكل تواجده وحجمه واستخدامه بالإضافة إلى غياب تلك الضوابط والشروط السابقة والمقيدة للحصول على السلاح.
في قراءة لظاهرة انتشار السلاح بين المواطنين دون ضوابط واضحة يمكن الإضاءة على عدة عوامل:
– الحرب الدائرة على سورية منذ العام 2011 أول هذه الأسباب.
– التهريب من دول الجوار
– انتشار التنظيمات الإرهابية بمسمياتها المختلفة
– التراخي الذي تبديه الميليشيات ك (قسد) وغيرها تجاه انتشار السلاح في مناطق سيطرتها.
– خروج مناطق من سيطرة الدولة السورية لفترات زمنية.
– فقدان بعض الأسلحة التي كانت متواجدة في النقاط العسكرية والأمنية خلال الحرب.
– انتشار ما يسمى تجار السلاح ممن استغل هذه الظروف.
– هاجس تجميع قطع السلاح في فترة الحرب ضمن ظاهرة ما عرف بـ”أمراء الحرب”
هذه الفوضى أدت إلى ارتفاع حالات الجرائم واستخدام السلاح في الشجارات والنزاعات العائلية، فغالبية جرائم القتل التي حدثت منذ بداية العام نتجت عن استخدام الأسلحة الحربية.
علاج هذه الظاهرة يحتاج إلى إرادة قوية، وإلى تكاتف جهود جميع الفعاليات، إضافة إلى حملات التوعية لأخطار هذه الظاهرة من جهة وتنفيذ العقوبات والتشدد بها لمن يتجاوز القانون سواء بحمل سلاح غير مرخص أو استخدام السلاح المرخص بطريقة مخالفة، وعند الانتهاء من الحرب من المهم جداً القيام بخطوات حصر حمل السلاح بالجيش والقوات المسلحة والأجهزة المعنية فقط وإرساء مفهوم الدولة واحترام القانون والالتزام بتعاليمه وسن القوانين الرادعة لكل من يستخدم السلاح في حل النزاعات.
لم تكن “الجريمة” حالة وليدة على المجتمع ولا نناقش في هذا المقال واقع الجريمة في سورية فهو موجود قبل الحرب وفي كل البلدان، لكننا نناقش شكل هذه الجريمة في السنوات الأخيرة والذي تسبب في زيادة معدلها ووحشيتها بشكل كبير، لنفتح الباب واسعاً أمام مخاطر هذه الظاهرة المختلفة والأقرب لمواجهات “الحرب” لكن دون “جبهات” أو أن الجبهات حاضرة لكن لا أحد يراها.. “الجبهات الاجتماعية”.