الثورة – هفاف ميهوب:
مُذ تأمّلنا غلاف كتاب “المختارُ من الريحانيّات – لفيلسوف الفريكة أمين الريحاني”، وقبل البدء بقراءته، تساءلنا: “لماذا الريحاني”؟!!…
سؤالٌ، لم يكن لنا تخمين الإجابة الدقيقة عليه، لولا أن فاجأنا الكاتب والإعلامي “ديب علي حسن”، بافتتاح هذا الكتاب به، ومن ثمّ الإجابة، وممّا نُشر في إحدى الصحف، التي نختار مما اختاره من مقالها عن “الريحاني”:
“…من بستان أمين الريحاني، هذه البذور التي نثرها ذات يوم، وصارت شجراً يمتدّ إلى اليوم والغدِ.. أوراقٌ خصراء، تزداد قوّة ونضارة، لأنها بنت الحياة، ومن دمها ومائها.. التجربة شخصية، نعم، لكنها متجذّرة بالحياة، فيها ما يجب أن نقف عنده ونقدمه…
اليوم، بعد هذا الزمن الذي مضى على بذور الريحاني، ما زالت الأسئلة نفسها، والقضيّة نفسها.. كأن هذا الحكيم والأديب الموسوعي، الذي يعدّ ركناً من أركان الأدب المهجري، ما زال يعيش بيننا، يلتقط ما يطرح من أسئلةٍ كبيرة في قضايا الفكر والحياة، ويعمل على سكبِ خلاصة تجربته الواسعة، لتكون أمام الجميع..”.
نقرأ هذا وغيره، من المقتطفات التي أجاد الزميل “حسن” في اختيارها لزمنٍ، لا إجابة تُقنعنا فيه، إلا بعد عودتنا إلى القضايا التي تناولها الريحاني، وما زلنا نعيشها ونحتاج لمن سعى مسعاه في الخوض فيها، ومحاولة حلّ مشاكلها…
البداية كانت، من “الولادة” حيث النشأة، الأرض، الأسرة، المدرسة، الرائحة، المغامرة، وفي بيئةٍ متشدّدة، وأجواء خوفٍ من المحتل التركي..
إنها سيرته، هجرته، بداية انطلاقته، وتنقّله بين دولٍ ذاع صيته فيها، وعظمت شهرته، ساعياً لخدمة قضية العرب ولمّ شملهم، وإنقاذ وطنه من براثن الجهل والتخلف والتعصب الطائفي، وهكذا إلى أن نفاه الانتداب الفرنسي، إثر خطابٍ عراه فيه، وفضح سياسته..
بعد هذه البداية، ينتقل “حسن” إلى أهم مقالات “الريحاني” التي كان أشهرها “أنا سوري”، ونورد منه:
“… أنا سوريّ لا ينسى نهضة العرب على الأتراك، ومن شاركهم بها، واستبسل في سبيلها من السوريين واللبنانيين، ولن ينسى شهداء الوطن.. أنا سوريّ.. قلتُ مراراً، ولا أزال أقول: بفصل الدين عن السياسة، وبرفعِ العصبيّة الوطنية على العصبيّات الدينية كلّها..”.
أيضاً، ومن كتاب “الريحاني” وعنوانه “أنتم الشعراء”، يختار “حسن” ما يبيّن فلسفته في معرفتهم، والتركيز على جمال ما ينطق به وجدانهم، وحنينهم إلى وطنهم، ووصاياه لهم، تلك التي تجعلهم يحلّقون مكانة وشعراً..
يناجي “ربّة الشّعر” بأن تهبه وأبناء زمانه صوابها، فتشكي له ما فعلوه بها، بعد أن حمّلوها مصابيح، دخانها أكثر من أنوارها.. يتحوّل إلى “الشّاعر والفيلسوف” وما يعلمه ويراه كلّ منهما، ومن ثم يتلمّس ما يجعل “الشاعر والألم” يتلازمان بصدق وإخلاصٍ، في حملِ همّ الإنسانيّة كلّها..
يرى “دموع الشاعر” تعنون “بلادي”… قصيدةٌ هي الأجمل والأعظم لديه.. يستشعر “روح اللغة” تستجدي الحياة والتجدّد، والعودة إلى الأصالة النقية، كما أصالة الطبيعة ونقاء هواء قريته “الفريكة” المقيمة فيه..
لا تنتهي مقتطفات “حسن” مما لدى “الريحاني” الذي استدعانا لنرنو إلى حيث كان يقيم “فوق سطوح نيويورك”، حيث استبصر عالمنا، قائلاً عما جعل مضمون هذا الكتاب، يدوّن قضايانا ويحاكي واقعنا:
“…إن في الولايات المتحدة من العبوديّات أنواعاً وأشكالاً، فهناك العبوديّة في المعادن، والعبودية في آبار الغاز، والعبودية في معامل الأنسجة، وفي عالم العمل على الإطلاق، فمتى يا تُرى يتحرّر الإنسان حقّاً، وتشمل السعادة والراحة، كلّ أسرة بشريّة؟!”
يقع الكتاب في 103 صفحات من القطع المتوسط.. إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب..