الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
قلة هم الذين تفاجؤوا بنتيجة المحادثات الأخيرة بين روسيا والغرب، حيث رفض الأخير، الذي تمثله الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، مطالب روسيا بإغلاق أبواب الناتو أمام أعضاء أوروبا الشرقية الجدد واستعادة بنيتها التحتية العسكرية إلى ما كانت عليه في نهاية القرن العشرين.
هناك عدد من العوائق الاستراتيجية والسياسية والقانونية والأيديولوجية وحتى النفسية التي تمنع الناتو من الامتثال لمطالب روسيا الصعبة.
إذن ما هي الخطوات التي يجب أن تتخذها موسكو بعد أن فشلت حربها الدبلوماسية الخاطفة؟ الخبراء الروس لديهم الكثير من المقترحات حول كيفية الرد على الغرب المتعنت، بما في ذلك نشر أنظمة صواريخ جديدة على مقربة من الدول الأعضاء في الناتو، وخلق تهديدات عسكرية لواشنطن في كوبا وفنزويلا، وزيادة وجود الشركات العسكرية الخاصة التابعة لروسيا في المناطق الأفريقية غير المستقرة، وتوسيع التعاون العسكري مع الصين، وتصعيد الدعاية والهجمات الإلكترونية في الغرب.
وهناك أيضاً دعوات لمعاقبة الغرب على الصعيد الدبلوماسي، فيمكن لروسيا على سبيل المثال الانسحاب من ميثاق باريس لأوروبا الجديدة لعام 1990، وكذلك من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا.
كما يمكن أن يدين القانون التأسيسي للعلاقات والتعاون والأمن المتبادلين الذي وقعته روسيا وحلف شمال الأطلسي في عام 1997 الاعتراف رسمياً بجمهوريات دونيتسك ولوهانسك الانفصالية التي نصبت نفسها بنفسها، ووقف مفاوضات خفض الأسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا.
سيؤدي تنفيذ بعض هذه المقترحات بالتأكيد إلى تهديدات أمنية جديدة خطيرة لخصوم روسيا الغربيين، كما أن تأجيج المواجهة في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم سيزيد من خطر حدوث تصادم عسكري مباشر قد يؤدي إلى حرب نووية.
لإيجاد طريقة للخروج من مأزق المواقف المتشددة التي يتخذها الجانبان، قد يبدو من المعقول أولاً فصل أجندة الأسلحة الاستراتيجية الأمريكية الروسية عن قضايا الأمن الأوروبي، فقد فصلت روسيا والغرب الأجندة النووية عن الجوانب الأخرى لعلاقاتهما لعقود عديدة، وليس من المنطقي إعادة النظر في هذا المبدأ الآن.
إلى جانب ذلك، وعلى الرغم من أن روسيا والغرب يدركان أن العداء بينهما عميق وأن مواقفهما بشأن الأمن الأوروبي متباعدة، فلا يزال بإمكانهما اتخاذ تدابير محددة لجعل مواجهتهما أكثر استقراراً.
أي تدابير لبناء الثقة، مهما كانت متواضعة، كإنشاء منطقة عازلة تحد من النشاط العسكري على طول خط الاتصال بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، واستئناف عمل مجلس الناتو وروسيا وإدراج عنصر عسكري، وربما إحياء معاهدة الأجواء المفتوحة بشكل ما، سيساعد على استقرار الوضع المضطرب على الأرض، سيكون هذا إنجاز كبير لروسيا، بافتراض أن الحفاظ على عدم اليقين الاستراتيجي والتأرجح على شفا الحرب ليسا أهدافها الحقيقية.
دعونا لا ننسى أن التوسع المؤسسي لحلف الناتو شرقاً ليس من بين أهداف بروكسل قصيرة أو حتى متوسطة المدى. على أي حال، كما أوضحت فرنسا، يمكن لأي دولة أن تكون عضواً في الناتو لأكثر من أربعين عاماً دون المشاركة في الهيئات العسكرية للمنظمة.
يجب أن تعمل روسيا أيضاً مع جيران آخرين كانوا يتطلعون إلى عضوية الناتو، فكثيراً ما يُقال في روسيا إن أوكرانيا وجورجيا “يتم جرهما إلى الناتو”، مما يخلق الانطباع بأن الدول المعنية ترغب في المقاومة ولكنها تُجبر على الاستسلام ببطء تحت ضغط من بروكسل.
إن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق هي التي حاولت بشدة الانضمام إلى هيئات الأمن التابعة لحلف الناتو لسنوات، بينما يتعين على الغرب أن يستجيب بطريقة ما لهذا الضغط، مع العلم أن الأعضاء الجدد من المحتمل أن يضعفوا المنظمة. ومن ثم، يجب على موسكو التركيز على إيجاد آليات أمنية بديلة لتلك الدول لتقليل اهتمامها بعضوية الناتو المرغوبة.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فمن الصعب على موسكو الضغط على كييف للامتثال الكامل لاتفاقيات مينسك الهادفة إلى إنهاء الصراع في شرق أوكرانيا، وسيكون من المفيد التركيز على النقاط الثلاث الأولى من الاتفاقات، والتي تدعو إلى استقرار الوضع على طول خط التماس في دونباس (الامتثال لاتفاقيات وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة، وتعزيز منظمة الأمن والتعاون في أوروبا). سيكون هذا عاملاً مهماً في الحد من التوترات في كل من دونباس على وجه التحديد وفي العلاقات الروسية الأوكرانية ككل. ولن يستبعد هذا النهج المفاوضات المحتملة بين روسيا والغرب على نطاق خصوصيات المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا.
المصدر: RIAC “مجلس الشؤون الدولية الروسي”
