آذار .. وعي الذات وأدوات المراجعة

ثورة اون لاين: رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
تمارس الأحداث وتطوراتها المتتالية سطوتها بوضوح على مكونات المشهد السياسي، كما هي على باقي التراكمات الكمية والنوعية في الثقافة والفكر والاجتماع، وتقتضي في الحد الأدنى إعادة النظر بمعايير المراجعة، بدءاً من المفاهيم والمصطلحات،

وصولاً إلى المعطيات والممارسة، مروراً بكل ما يطفو على السطح من ظواهر، آنية كانت أم بعيدة المدى.‏

وإذا كانت الضرورة – في أحد جوانبها – تفضي إلى الأخذ المباشر بكثير من الشواهد، على أنها أدلة وقرائنَ واضحة لا تحتمل التأويل ولا التأجيل، فإنه من باب أولى، أن تكون معياراً قابلاً للقياس، يمتلك المرونة الكافية، كي ينسحب على ما تبقى من إضافات بحكم التراكم في التجربة من جهة، وبحكم الخصوصية الناتجة عن آليات التعامل مع الأزمات وما شهدته الأزمة في سورية -عموماً – من جولات صراع إقليمي ودولي من جهة ثانية.‏

على هذه القاعدة، تبدو «الثامن من آذار» أمام مراجعة عملية، تنطلق من وعي بالذات وللدور، ولا تتوقف عند مفردات ما اضافته إلى التراكم المعرفي والسياسي وهي تجتاز في مسارها عثرات ومنعطفات تضاعفت تداعياتها، وأفضت إلى تتويج مشاهد من الممارسة غير المنظورة في الجانب الدعائي والتنظيري.‏

وجاءت الأحداث في سنواتها الأخيرة لتضغط بأوراقها وملفاتها في كفة التعجيل بهذه المراجعة، من منطلق ذاتي وموضوعي شبه متطابق، ولم يكن من المسموح المرور عليها عفو الخاطر ولا التعاطي معها على نحو خاطئ ومتعجل، بحكم ان ما ينتج اليوم لا يتعلق بمسار الأحداث بقدر ما يسجل إحداثياته على خارطة المشهد العالمي، وما يفضي إليه من مساهمة مباشرة وغير مباشرة في تحديد أدوات الصراع وصولا إلى وسائل المجابهة القائمة.‏

في المستوى الأول من هذه المواجهة، تتجسد عوامل التحدي الفعلية الناتجة عن مقولات باتت بحكم المسلمات حول الأدوار وتراتبيتها، وحول الأحداث وتقاطعاتها، حيث تبدو التجربة تصب في كفة أوراق القوة التي امتلكتها وتضيف إلى رصيدها الشعبي باعتبارها المقياس لأدوات التغيير والتعديل والانطلاق في صيرورة المجابهة القائمة على الهوية والدور وتصل أحياناً إلى المصير بحد ذاته.‏

وفي المستوى الثاني تقف جملة من العوامل الضاغطة الناتجة عن منعكسات الترويج القائم على قاعدة الاستبعاد بحكم التطور التاريخي، فيما المعطيات والأحداث وتواترها وصيرورة عبورها إلى الضفة المقابلة تقتضي التمسك أكثر بما تمتلكه من أدوات وما اجترعته من وسائل ذاتية للتكيف من جهة وتوفير المناخ المناسب والملائم لأدوات المراجعة على مدى خمسين عاماً ونيف من جهة ثانية.‏

أما على المستوى الثالث من المواجهة وعوامل التحدي، فإن وعي الذات ليس بالضرورة الضامن الوحيد للتكيّف، وقد لا يكفي من الناحية الموضوعية لتوفير عوامل المصداقية السياسية والفكرية في مواجهة مفتوحة على مصراعيها بين مشروعين لا مجال فيها للحلول الوسط ولا مكان للمقولات الرائجة في إطار التسويات الجزئية والمجتزأة، بما يعكسه من استخدام شرس لكل ما في الجعبة من أدوات ووسائل، حيث توضع كل التجارب السابقة وتراكماتها في السياسة والفكر والثقافة والمجتمع على المحك وأمام لحظة اختبار فارقة.‏

لذلك، لم تعد المسألة من باب الترف الفكري، ولا هي حاجة تمليها التطورات بقدر ما باتت آلية وربما أسلوباً من عدة مستويات لتأكيد الاستمرارية، بما تمليه تلك الحاجة من تحديات مصيرية لا تكتفي بنشر مبطن لأدوات المواجهة على جبهات متعددة، بل تمارس آخر ما في الجعبة من أدوات السطوة، ومن وسائل الهيمنة القائمة على الإلغاء، حيث التحدي الأساسي القائم اليوم يتجسد في مواجهة التطرف والإرهاب اللذين يلفظان كل ما في جوفهما لابتلاع ما يمكن من التاريخ والوجود.‏

«الثامن من آذار» في تاريخ التجربة قد تكون محطة إضافية في تاريخ التحدي، لكن أولى شروط المراجعة فيها أن تنطلق من وعي الذات وقد توفرت أدوات المراجعة بكثرة، خصوصاً بعد تجربة تقترب من انهاء عامها الثالث، وأفضت في الحد الأدنى إلى الأخذ بنتاج ماحققته من تراكم في الانجازات التي كانت احدى عوامل الصمود، وأملت متغيرات على مستوى المشهد العالمي، ومن الضرورة بمكان أن تبدأ من حيث الحدث السوري يقف اليوم، ومن الموضع الذي تطأه قدم الجندي العربي السوري، ومن المنبر الذي يحتله اليوم الخطاب السياسي السوري، ومن المنصة التي تعتليها الإرادة السورية لتكون أدوات المراجعة قادرة على تحديد ملامح الجولات القادمة وعناصر القوة الذاتية بعد امتلاك الجرأة على وعي الذات.‏

بهذا المنظور، نكون أمام متغيرات التحدي كجزء من آليات التحبير لإحداثيات الخرائط التي أنتجها الحدث السوري على المستوى الإقليمي والعربي والدولي، من زاوية الثبات في إعادة إنتاج وعي حزبي وجماهيري وشعبي يوازي في منتجه النهائي ما استطاعت الإرادة السورية أن ترسخه في واقع المواجهة المفتوحة مع الإرهاب والتطرف، وفي حقل السياسة العالمية.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين