رفاه الدروبي
لايزال مُسحر رمضان يعلو صوته الأجش قوياً يدخل شغاف القلب فلا تكاد تلتفت إليه حتى تلمحه يجوب الحارات والأزقة ليوقظ النيام كي يتناولوا وجبة البركة، فالمسحر طقس من طقوس رمضان الفريدة، يمنحه بُعداً اجتماعياً مميزاً، يضرب بعصاه الخيزرانيَّة على طبلٍ صغيرٍ، ليصدر نقراتٍ معدودةً بإيقاعٍ مدروس، وينتقي كلمات توارثتها الأجيال فيعلو صوته على أنغامها، «يا نايم وحِّد الدَّايم .. يـا غافي وحِّد اللّه / يا نايم وحِّد مولاك.. يلي خلقك ما بينساك/ قوموا على سحوركم.. إجا رمضان يزوركم».
ما إن يصل صوته إلى حي من الأحياء الشعبية القديمة حتى يتسارع الأطفال للإطلال من الشرفات، وكان بعض الأهالي يستمهلونه في السير راجين منه تحقيق رغبة أبنائهم الساهرين طوال الليل من أجل رؤيته، الأولى رغبة دفينة لديهم للنقر على طبلته، والأخرى اللحاق به لأطول مسافة ممكنة لمساعدته بالنقر على الأبواب وإيقاظ النائمين.
محمود صوان الملقب «أبو الهيجا» يجوب حارات حي القيمرية ضمن سور دمشق منذ عقدين من الزمن، توارثها عن جده دون أبيه يحمل طبلته المصنوعة من جلد الماعز تعلق بها باعتبارها مهمة فاعل خير غابت بعد ظهور المنبهات لإيقاظ أهالي الحي لعلَّهم يتناولون وجبتهم قبل أن يدقَّ مدفع البدء بالصوم ويعلو صوت الآذان في الجوامع والمساجد، وهو يرتدي الملابس التراثية المُكوَّنة من السروال والقميص والصدرية، ويعتمر القبعة الخاصة على رأسه ويحمل في يده الطبلة والعصا ليقرع بها وسلة من القش وظيفتها وضع ما يناله أثناء تجواله، يقول: إنه كثيراً ما ينال أثناء تجواله وجبات طعام يضعها في سلته ثم يحملها بيده ويسير برفقة ولده، يعرف أسرار البيوت وما يدور وراء الجدران وحالات العائلات الأرامل والمحتاجين غير الميسورة، وبدافع إنساني يتخلى عن وجبةٍ نالها من البيوت الأخرى كي تملأ بطون الفقراء.