مها دياب:
«التربية الجنسية» للأطفال، ثقافة تربوية مطلوبة للطفل، لكنها شبه غائبة عن الكثير من الأهل، حتى أن مجرد ذكرها كمصطلح يسبب الحرج للكثير من الآباء والأمهات، وبالتالي فإن أي معلومة لدى الطفل حول هذا الموضوع إما تكون ناقصة أو خاطئة لأن مصدرها يكون أقرانه أو الإنترنت.
دون مقدمات
عدم اضطلاع الأهل بدورهم في هذا المجال، لجهة إيصال مثل هذه المعلومات المهمة إلى أبنائهم في مراحل عمرية مبكرة، وتركهم هذا الدور إلى الشارع أو الأقران أو المدرسة ودون مقدمات، أدى إلى خلق حالة من الصدمة لكثير من التلاميذ.
إحدى الأمهات حدثتنا عن مدى الإحراج الكبير الذي شعرت به عندما فاجأتها طفلتها «سارة» الصف السادس بعدد من الأسئلة عن درس تكاثر الإنسان الذي شرحته المعلمة بكل تفاصيله ودون مقدمات، وهذا ما أحدث في نفسها هي وزميلاتها في قاعة الصف صدمة وسبب لهن إحراجاً كبيراً لأنهن لم يكن قادرات على استيعاب كل التفاصيل والمعلومات.
الخجل والتجهم
وعند سؤال بعض الأطفال عن طريقة فهمهم لهذا الموضوع « التكاثر عند الإنسان «، تفاوتت أجوبتهم بين الغائبة والمتجهمة والخجولة، حيث أجمع معظمهم على عدم معرفتهم بأي معلومات عن هذا الموضوع فيما فوجئ البعض الآخر منهم بمعلومات غير صحيحة التقطوها من الشارع أو عن طريق أقرانهم، الذكور والإناث وحسب ماذكروا فإنهم لم يسمعوا شيئاً عن هذا الأمر من قبل أهاليهم.
إحراج شديد
مدرسة العلوم ندى الدوس، قالت إنه من الجيد تعريف الأطفال بجسدهم وإعطائهم معلومات علمية، ولكن مع ذلك فإننا نشعر كمعلمين بإحراج شديد بسبب وجود الصور التي تشرح الدرس، خاصة مع وجود أطفال لم يسمعوا بهذه المعلومات من قبل، ويقوموا بطرح أسئلة كثيرة وبريئة قد تسبب الحرج الشديد.
أما المعلمة راما نصر فقالت: من جهتها إن الدروس التي تناقش هذا النوع من المواضيع مهمة لتعريف و توعية الاطفال، لكن شرط أن يكون الطرح تدريجياً وليس فجائياً بهذه الطريقة، ومن خلال الحوار.
بدورها قالت الآنسة عبير الدرويش: إن كثيراً من المدرسين يشعرون بالإحراج عند إعطائهم دروس التكاثر الجنسي لدرجة أن بعضهم يرفض إعطاءها وهذا بسبب غياب دور الأهل في المنزل.
التوعية والحماية
للحديث أكثر عن هذا الموضوع، التقينا الدكتور ملاذ الرحال أستاذ علم النفس في جامعة دمشق، الذي أكد على أهمية التربية الجنسية للطفل معرفاً إياها بأنها نوع من أنواع التربية التي تزوده بالمعلومات العلمية والخبرات الصحيحة والاتجاهات السليمة إزاء المسائل الجنسية، بقدر مايسمح نموه الجسمي والفسيولوجي والعقلي والانفعالي والاجتماعي بما يؤهله لحسن التوافق في المواقف الجنسية ومواجهة مشكلاته الجنسية في الحاضر والمستقبل.
وأضاف الرحال أن الهدف الأساسي من التربية الجنسية هو التوعية والحماية، ولكن وفق معيار التلاؤم مع المرحلة العمرية ونوعية المعلومة المقدمة والتي تخدم الهدف، أي يجب ألا تكون مفاجئة ومحرجة للطفل، أو للمعلم، ولابد وأن تتماشى مع العادات والتقاليد المجتمعية والثقافية السائدة.
مسؤولية مجتمعية
وبين الأستاذ في علم النفس أن هذه المسؤولية ليست فردية من قبل المدرسة أو من قبل الأهل، وإنما هي مسؤولية مجتمعية يجب أن تشارك بها كل المؤسسات المجتمعية وينبغي الإعداد الكافي والتدريب اللازم والتثفيف المقدم لهذه التربية، كي لا تتم بطريقة عشوائية أو تلقائية.
وأكد الرحال أن أحد جذور الصدمات النفسية هي القضايا الجنسية في مرحلة الطفولة، من تحرش أو اغتصاب وبنفس الوقت طريقة التوعية التي قد تكون بحد ذاتها بمثابة حدث صادم إذا لم تتم وفق آليات علمية مدروسة ومحددة وتدريجية تبعد عن التفاصيل في الأعمار الصغيرة، وأضاف أنه من المهم أن تبدأ التربية الجنسية قبل مراحل البلوغ بهدف التوعية الجسدية ليس أكثر، بعيداً عن الغوص في التفاصيل ويفضل أن تكون ضمن نشاطات يقوم بها المرشد النفسي أو الاجتماعي.