الثورة – عمار النعمة:
هل للإبداع عمر.. من المؤكد أن هناك الكثير من المبدعين فارقوا الحياة في ريعان شبابهم, لكنهم تركوا إرثاً كبيراً مازال مزروعاً في مخيلتنا, فهؤلاء أبناء الحياة والبيئة التي كتبوا نصوصهم منها, فالبيئة بلا شك تلعب دوراً أساسياً في أسباب الحياة, واستمرارها وفاعليتها.
اليوم تعود بنا الذاكرة لشاعر لم يعش طويلاً، لكن أشعاره مازالت تتردد على ألسنتنا, فهو صاحب البيت الشهير “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”، وهو الذي نادى بتحرير الشعر العربي من صورته النمطية القديمة، والانفتاح على الفكر والخيال وأشكال التعبير الجديدة.
الولادة
ولد أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم بن إبراهيم الشابي عام 1909 في بلدة الشابة التابعة لولاية توزر، وترجع دماء نسبته إلى أبيه الشيخ محمد الشَابي الذي اتسم بالتقوى والصلاح، وقد كان لهذه النشأة أثر في حياة الشابي, فقد حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بجامعة الزيتونة عام 1920، وتخرج فيها عام 1928 والتحق بعد ذلك بمدرسة الحقوق بجامعة الزيتونة بتونس، وحصل منها على ليسانس الحقوق عام 1930 ميلادية.
بعد التخرج جاب أبو القاسم المدن التونسية برفقة أبيه بحكم عمله قاضياً، وتوفي أبوه في سبتمبر ١٩٢٩، وكان الشابي يعلم على أثر تخرجه في الزيتونة أو قبلها بقليل أن قلبه مريض وظهرت عليه أعراض المرض واضحة في ١٩٢٩ وازدادت حالته سوءاً حين تعرض لصدمة موت حبيبته كما لم يمتثل لنصيحة الأطباء بعدم الزواج, لكنه امتثل بالتوقف عن الرياضة وساءت حالته في آخر ١٩٣٣ فدخل مستشفى الطليان بالعاصمة التونسية, وكان يشكو من تضخم في القلب حيث فارق على أثره الحياة عام 1934وهو في ريعان شبابه.
قدم الشابي العديد من المقالات والقصائد التي حظيت بالاهتمام والنشر في مختلف الصحف التونسية والمصرية، كما ألقى العديد من المحاضرات في نوادي العاصمة تونس وولاية توزر، وقد ذخرت ذاكرة الأدب العربي بما قدمه لها من قصائد, فهو مسكون بهواجس الشغف والعشق والأمل والإنسانية.
ونقتطف من قصيدته الجنة الضائعة:
قد كنت في زَمَنِ الطُّفُولَةِ والسذَاجة والطَّهُورْ
أحيا كما تحيا البلابل والجداول والزُهور
لا تَحْفِلُ الدنيا، تَدورُ بأهلِها أو لا تَدُور
واليوم أحيا مُرْهَقَ الأعصابِ مشبوب الشُّعُور
مُتأجِّجَ الإحساسِ، أَحْفِلُ بالعظيم وبالحقير
تَمْشي على قلبي الحياة، ويَزْحَف الكون الكبير
هذا مَصيري، يا بَني الدنيا، فما أشْقَى المَصير!
#صحيفة_الثورة