إدلب العشق تنادي..  طوبى لمن أجاب نداءها

الثورة – رنا بدري سلوم:

“سلامٌ لإدلبَ من كلِّ حرٍّ، وألفُ سلامٍ من الأوفياءْ..

فكُرمى لعينيكِ يا أمَّنَا، تهونُ النفوسُ ويحلو العطاءْ

إدلبُ نادتْ على كلِّ حرٍّ، فلبوا النداءَ بيومِ الوفاءْ”

كلمات اتسعت لها سماء إدلب حين ضمت أبناءها كأم حنون، وما كان للشعراء إلا أن تغنوا بيوم الوفاء لها، ليس قولاً وحسب بل فعل أيضاً.

 

لبى الشاعر خالد الفجر العمل الإنساني عام 2013 في إدلب، بتعبيره عن هموم الناس وتصور أوجاعهم وحمل آمالهم وتضميد جراحهم وآلامهم، محاولاً أن يصورها شعراً وأدباً، مسلطاً الضوء على معاناة المستضعفين في بلدته، كل ذلك بوصفه شاعراً قبل أن يكون مديراً تنفيذياً لمنظمة “إنسان”، فكانت آخر مسابقة شعرية أشرف عليها، والتي رعتها المنظمة أواخر العام 2023 حملت عنوان: “خيام الكرام.. آلام وآمال”، تحكي توق النازحين للعودة إلى ديارهم مع الوقوف على العزة والشموخ والكرامة والأمل في غد أفضل وقد جاء بالفعل.

“الثورة” التقت الشاعر خالد الفجر الذي شارك في حملة “الوفاء لإدلب”، وقد سمع أبيات شعره بصوت فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن المتوكل في كلمته عن إدلب والنزوح والخيام، وهذه الأبيات – والقول للفجر- كتبها من أحد المخيمات وهو يرى فرحة الأهالي بهدم الخيام، عائدين إلى الديار بعد طول غياب حتى لو كانت منكوبة.

يقول فيها:

وتلك خيامنا شهدت بأنَّا بقينا رغم قسوتها كراما

وأنّا سوف نرجع يا بلادي إليك أعزة لم نحنِ هاما

هنا من إدلب الخضراء جئنا وبالإيمان حررنا الشآما

قد انتصرت جحافلنا بحرب وسوف نصوغ بالحب السلاما

أبناؤها البررة

كتب الشاعر الفجر “قصيدة الوفاء لإدلب”، لحنها وأنشدها المنشد هيثم الحلبي، وشارك في فيديو قصير للشعراء لدعم حملة الوفاء قال فيها:

تجود بفَلذات القلوب وتنجب وتعطي كبحر لا يجف وينضُبُ

قد احتضنت كل الذين تهجروا إليها كأبناء هيَ الأمُّ إدلب

وأشار الشاعر الفجر إلى أن “الوفاء لإدلب” لم تحطم أرقام الحملات وحسب، ولم تنجح في جمع أموالاً فقط، فمبلغ فاق 200 مليون دولار ما بين تبرعات مباشرة، والتعهد بمشاريع، كتبرع منظمة “إنسان” بمبلغ 2 مليون دولار، كل تلك الأموال لا تساوي نقطة في بحر احتياج المحافظة، لكنها نجحت في توحيد قلوب السوريين على ضرورة الوفاء لإدلب والوقوف معها، وكانت فرحة غامرة بدت في عيون السوريين وكتاباتهم سواء من حضر شخصياً أم من ملأ مواقع التواصل الاجتماعي فرحاً بهذا الإنجاز العظيم، والذي توج بقدوم السيد الرئيس أحمد الشرع شخصياً لهذه المناسبة، وهو مفعم بحب إدلب عندما قال: “إدلب العشق”.

وكان ما يستحق الإشادة – والكلام للفجر- موقف رجل الأعمال البارز السيد غسان عبود، إذ أذهل الحاضرين وحطم الأرقام القياسية على مستوى سوريا كلها، متبرعاً بمبلغ 56 مليون دولار، والتي كانت كفيلة لانطلاق آلاف الأقلام والقلوب بالشكر والدعاء لهذا الوفي لثورته ومحافظته، ولم يستطع الفجر كشاعر إلا أن يوثق مثل هذه اللحظات النبيلة فكتب:

يومُ الوفاءِ لها قدْ كان ذاكرةً تأبى وإنْ طالتِ الأعوامُ نسيانَا

شكراً لمن بذلوا لله أنفسَهم كي نستردَّ من الطاغوتِ أوطانَا

شكراً لمن ألهبَ الدنيا بعاصفةٍ من الملايينِ كم أشبهتَ عثمانَ

إذا تفاخرَ قومٌ في مآثرهم فسوفَ نذكرُ في الإحسانِ غسَّانَ

خيمة ونزوح

حملة الوفاء لإدلب تأتي في سياق مهم للغاية، فبعد أن احتضنت هذه المحافظة كل اللاجئين إليها من محافظات سوريا، وبعد سنوات من القصف والحصار والدمار ومحاولة اقتحامها كآخر معقل للثورة والثوار، فاجأت إدلب الجميع وكانت منطلق التحرير، وأهدت سوريا نصراً مذهلاً لم يكن ليتوقعه أحد، ولكن من عرف إدلب لا يستغرب فقد أوت نخبة الصابرين والثابتين على مبادئ الثورة، وتجمع فيها أكثر من 1,4 مليون نازحاً في الخيام وآثروا البقاء في خيامهم على أن يعودوا إلى مناطق سيطرة نظام الأسد المخلوع، رغم الحر والبرد وقلة المساعدات وطول سنوات التهجير، إذ ولد أطفال وكبروا في خيمة نزوحهم.

واليوم وبعد ما يقرب من عشرة أشهر على التحرير لا يزال يعيش مليون إنسان في الخيام، فمناطق واسعة من محافظة إدلب، وخاصة أريافها الجنوبية مدمّرة دماراً شبه كاملٍ من مرافق، وبنى تحتية، ومنازل، وخاصة المدارس مع بدء العام الدراسي الجديد، فكان لا بد من استنفار جهود السوريين جميعاً، وخاصة أبناء إدلب لأخذ زمام المبادرة والاعتماد على أنفسهم، وهكذا انطلقت حملات التبرع ليس مع حملة الوفاء، إنما من بعد التحرير مباشرة، فنحن- والقول للفجر- في منظمة “إنسان” وأول دخولنا إلى القرى التي تأسسنا منها في ريف معرة النعمان الشمالي في العام 2012 وقفنا على الدمار في المساجد والمدارس، وأطلقت منها هذه الأبيات تحت عنوان “مبادرات الأمل”:

قد كان حلماً أن نشَمَّ هواءها ونبوس تربتها ونشرب ماءها

ونقولَ للدنيا بأنا ها هنا وبأن ليل الحزن صار وراءها

هذي دياركمُ تناشد شيبها وشبابها ورجالها ونساءها

هذي ديار الحب نادت أهلها لتعيد أيدي الطيبين بناءها

كونوا على قدر النداء وسارعوا طوبى لأول من أجاب نداءها

لقد كانت صيحة صادقة ضمن مبادرات الأمل التي أسميت وقتها، مشيراً الشاعر الفجر إلى أنه في وقتها تكفلت عائلة الحاج علي رشود القاسم من أبناء هذه القرى بترميم كامل قرى الدانا، وبابيلا، وأربع مدارس فيها.

وقال: قد انتهينا من أعمال الترميم مع بدء العام الدراسي وبدأ الطلاب بالعودة إليها والافتتاح الرسمي يوم الإثنين الواقع في 29 أيلول.

افعل ما تستطيع

عمل المنظمات حين تكون نابعة من واقع الحاجة ومن أكباد أبناء الأرض، فإنها تشارك الشعب احتياجاته وآلامه وآماله وتعيش معه جنباً إلى جنب، فقد رافقنا المخيمات من منطقة معرة النعمان، وحيث نزحوا نزحنا واستمرينا معهم طوال سنوات النزوح.

بهذه الكلمات وصف الشاعر الفجر أيام التعاضد مكملاً حديثه. واليوم رافقنا عودتهم بتقديم أهم الاحتياجات الممكنة من طبية وتعليمية ومأوى ومساعدات إنسانية وخاصة الخبز لتسهيل عودة النازحين، فاليوم ننتقل من الطوارئ والعمل على إنقاذ الأرواح التي رافقت سنوات الثورة إلى العمل على إعادة الإعمار والتمكين والتماسك المجتمعي.

مؤمناً الشاعر الفجر أن الدور لا يقتصر على المنظمات بعد التحرير، بل ينبغي أن يشمل جميع أفراد الشعب حتى ولو بالتطوع والمبادرة وتقديم الخير، فالحمل ثقيل والتحديات كبيرة، مستذكراً “ألمانيا” حين نهضت بعد الحرب العالمية الثانية بالاعتماد على ثلاث مقولات “لا تنتظر حقك- افعل ما تستطيع- ازرع الأمل قبل القمح”، وهذا ما ينبغي أن نكون عليه نحن السوريين اليوم.

ثقافة جماعية

كانت مساجد إدلب تجمع التبرعات لمصلحة حملة الوفاء، وهو ما لفت نظر الشاعر الفجر الذي روى لنا كيف رأى في أحد مساجد قرى الإيواء المؤقت للنازحين، تسابق الأطفال إلى التبرع بمصروفهم بما يعادل ربع دولار، ودولار، ودولارين، يصف سعادته بالقول: “فرحت كثيراً، وقلت تحول العطاء إلى ثقافة جماعية حتى ولو بالقليل، هو نجاح كبير جداً، وخاصة أن ذلك نابع من الإيمان بالهدف والحب والوفاء، لا رياء ولا مفاخرة ولا خوفاً من نظام وحشي، ولا طمعاً بما لديه كما كان يحصل سابقاً في زمن النظام البائد، حين فرغ العمل المجتمعي من مضمونه وأصبح ميداناً للنفاق والرياء وشراء الولاءات.

قصيدة وفاء ورجاء

ويختم الشاعر الفجر حديثه معنا كما بدأه بقصيدته التي زينت منبر حملة “الوفاء إدلب”:

لأجلك نُرخص حتى الدماءْ

أيَا منبعَ العز والكبرياءْ

مددتِ لنا في المنافي يداً

وعنا بأخرى صددتِ الفناءْ

وكنتِ لنا الأم في محنةٍ

وعلمتِنا كيف نحيا الإخاءْ

ومذْ أظلم الكون في عيننا

غدوتِ لعين الحيارى الضياء

وكنتِ لنا وطناً أكبرا تجذرَ

فيه الهدى والإباءْ

ولم تكُ فيكِ الخيامُ رزايا

ولكنها موطنُ الشرفاءْ

ومنكِ تقاطرَ نحو الخلودِ

جيوشٌ من السادةِ الشُّهداءْ

ومنكِ إلى الشامِ كان الطريقُ

مليئاً بآلامِنا والدماء

ففي كل عينٍ لنا دمعةٌ

وتكبيرنا قدْ تخطى السماءْ

فسوريَّةُ اليومَ عادتْ لنا

وزالَ عن الكلِّ منها العناءْ

ولا حظَّ للثأرِ في نصرها

وقيلَ اذهبوا أنتمُ الطلقاءْ

آخر الأخبار
 المدينة الجامعية في دمشق بين ترميم الجدران وبناء الإنسان  هل سيعمّق رفع أسعار الكهرباء أزمة معيشة الفقراء؟ دورة كروية في حلب استعداداً للدوري الممتاز الجيش وسلمية يواصلان تألقهما في الكرة الطائر طاقات وطنية تشرق في ختام معرض إعادة إعمار سوريا  "عبر الأطلسي "  تطلق " استعادة الأمل" .. دعم النظام الصحي في سوريا   " التأمينات " : نعمل على تطوير منظومة الحماية الاجتماعية   هل ينقذ الشرع سوريا من الفساد؟ حفر وتأهيل عشرات آبار مياه الشرب في درعا  كيف ستؤثر التعرفة الكهربائية على مخرجات الإنتاج الزراعي؟ بعد توقف لسنوات.. مستشفى كفر بطنا ينبض بالحياة من جديد مستثمرون: سوريا أرض الفرص والاستثمار مشاركة عربية ودولية فاعلة في"إعادة إعمار سوريا" بشراكات مستدامة ما لم تقله "رويترز".. الشرع يضبط الإيقاع داخل الدولة بلا استثناءات الرئيس الشرع يكافح الفساد ويطبق القانون على الجميع دون استثناء اجتماع باب الهوى ".. المحسوبيات والمصالح لا تبني دولة قوية البرلمان السوري.. حجر الأساس في بناء سوريا الجديدة ماهر المجذوب يعود إلى دمشق بمبادرة رائدة للكشف المبكر عن التوحد يد سعودية تبني.. ورؤية عربية موحدة: إعمار سوريا يبدأ من هنا بعد رفع تعرفة الكهرباء.. هل ستتحسن التغذية؟