الثورة – فردوس دياب :
نظمت مؤسسة مجلس المرأة السورية للتنمية ندوة حوارية بعنوان: “العدالة الانتقالية في السياق السوري”، وذلك بحضور عدد من المؤسسات والجمعيات التنموية والنسوية وناشطين في الشأن العام.
رئيس مجلس أمناء المؤسسة الأستاذة سهير السنوح، أكدت أن العدالة الانتقالية ليست مجرد إجراءات قانونية أو محاكمات رمزية، بل هي مسار طويل ومعقد يهدف إلى استعادة الروح الإنسانية، وتضميد الجراح، وتحقيق الإنصاف للضحايا، والمحاسبة للمسؤولين عن الانتهاكات، مبينة أن العدالة لا يمكن أن تتحقق في الفراغ، بل هي بحاجة إلى ثقافة مجتمعية قائمة على الاعتراف المتبادل، وقبول الروايات المتعددة والمختلفة، والتعامل بشجاعة مع الماضي المؤلم دون تبرير أو إنكار.
وشددت على الدور المحوري للمرأة السورية في هذا المسار، إذ كانت وما زالت الناجية والشاهدة والقيادية في النضال من أجل الوجود، والعدالة، والكرامة، فدورها لا يقتصر على كونها ضحية، بل يمتد ليشمل المشاركة الفعلية في تحقيق وتطبيق آليات العدالة، وإعادة بناء الذاكرة الجماعية، وقيادة جهود التصالح الحقيقي، وبناء أسس المواطنة والإنصاف.
جبر الضرر
بدوره عرَّف الدكتور أحمد السيفو المتخصص في القانون الجنائي الدولي والعدالة الانتقالية، “ثقافة العدالة الانتقالية”، أنها مجموعة التدابير والأليات التي تهدف إلى كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات وكشف الضرر والاصلاحات المؤسسية لتحقيق السلم الأهلي والمصالحة الاجتماعية، ومعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
وتطرق إلى بعض التحديات التي تواجه العدالة الانتقالية وهي تحديات اقتصادية، وذلك بتوفير الموارد الكافية لجبر ضرر الضحايا، وكذلك التحديات القانونية، ويوجد تشريعات وبنى مؤسساتية استبدادية كرسها النظام السابق في خدمة مصالحه تحتاج الى تغيير، وأيضاً هناك التحديات الأمنية والدينية، مشيراً إلى أن نجاح العدالة الانتقالية يتعلق بتوفر الإرادة الاجتماعية، فيجب امتلاك الجرأة والشجاعة الكافية لدى السوريين لنجاح العدالة الانتقالية كبرنامج واستراتيجيات، من أجل بناء دولة الحق والقانون والمساوة والعدالة الاجتماعية.
صوت الضحايا
من جهتها أكدت الخبيرة مها الحاج علي، على دور المرأة المحوري في تحقيق العدالة الانتقالية، كونها حاملة لروايات الضحايا، وصوتاً للذين تعرضوا للانتهاكات، خاصة في الجرائم التي تستهدف النساء والأطفال، وعاملاً للمصالحة بسبب دورها المركزي في الأسرة والمجتمع من خلال بناء جسور الثقة بين الجميع، ومساهمة في آليات العدالة من خلال مشاركتها في تصميم وتنفيذ برامج العدالة الانتقالية كلجان الحقيقة والمصالحة وبرامج التعويض واعادة الإعمار. وتطرقت إلى معاناة المرأة السورية خلال السنوات الماضية، إذ تحملت مسؤوليات كبيرة وقاسية، فقدت المعيل، وتعرضَت للعنف والنزوح، واضطرت إلى تحمل أعباء إعالة الأسرة في بيئات بالغة الصعوبة.
مصالحة وطنية
ودعت الحاج علي إلى أن تكون المرأة، شريكاً في برامج العدالة الانتقالية وتمثيلها في مفاوضات السلام، لأنه لا يمكن تحقيق سلام مستدام دون عدالة تُنصف الضحايا وتُحمّل المسؤولية للجناة، بالتوازي مع إصلاح الدولة وإطلاق مصالحة وطنية حقيقية والتأكيد على ضرورة دعم المرأة نفسياً من خلال إنشاء مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي والقانوني للنساء الناجيات من العنف وتعزيز التشريعات التي تحمي حقوق المرأة وتضمن مشاركتها في صنع القرار.
وختمت حديثها بذكر نماذج مشرفة لنساء سوريات صنعَن فرقاً حقيقياً في مجال الاغاثة والتعليم، وفي مخيمات النزوح، وكذلك النساء اللواتي شاركن في المؤتمرات الدولية والمفاوضات السياسية كصوت يعبر عن مطالب الشعب السوري، والقياديات في منظمات المجتمع المدني اللواتي يعملن على تعزيز التماسك الاجتماعي على المستوى المحلي، مؤكدةً أن المرأة السورية شريك استراتيجي في بناء سوريا الجديدة، سوريا الديمقراطية العادلة المستقرة، و بدونها لا يمكن تحقيق سالم شامل وعدالة حقيقية.
المساواة والمواطنة
شهدت الندوة نقاشات معمّقة حول دور المرأة الأساسي في تطبيق وتحقيق العدالة الانتقالية، وكذلك دورها في إعادة بناء الدولة والمجتمع، وقد تركزت المداخلات على أن العدالة الانتقالية ليست مجرد آلية قانونية، بل هي مسار مؤسساتي يهدف إلى تأسيس دولة عادلة تقوم على المساواة والمواطنة.
كما شدد الحضور على أن التسامح شرط أساسي لبناء المستقبل، وأن العدالة الانتقالية لا تقتصر على المحاسبة، بل تتضمن جبر الخواطر لجميع الأطياف من دون ظلم أو إقصاء، بما يضمن التعايش والتضامن في سبيل الوصول إلى عدالة مُرضية للجميع.
ولفتت المداخلات أيضاً إلى ضرورة محو الأمية بمفهومها الواسع، ليس فقط التعليمية، بل أيضاً الفكرية والاجتماعية، أي في طرائق الحوار والتواصل وحل الخلافات، فالتغيير المطلوب يقوم على عقلية “الهدم والبناء” معاً، لا على الهدم وحده، سعياً لبلوغ تفاهم مع كل الأطراف.
أما مبدأ المواطنة فقد جرى التأكيد عليه بوصفه الأساس الذي تقوم عليه الدولة الديمقراطية، إذ يضمن المساواة بين جميع مكونات الشعب السوري بلا استثناء.