صعوباتُ التعلّم.. إرادةٌ تتحدّى العجز وتصنع الأمل

الثورة – ميساء العجي:

في عالم سريع الإيقاع، تتضاعف التحديات التي يواجهها الأطفال في مسيرتهم التعليمية، وتبقى فئة من الصغار تقف أمام اختبار استثنائي، هو صعوبات التعلّم.. هذه الحالة المزمنة لا تعني الإعاقة الكاملة، لكنها انعكاس لاضطرابات تؤثر على قدرات الطفل في القراءة أو الكتابة أو الحساب أو التركيز والذاكرة، كثيرون يظنون أنها حالة نادرة، لكنها في الحقيقة واسعة الانتشار وتستدعي وعياً جماعياً لتفهمها والتعامل معها.

مؤشرات الحالة

في إطار ذلك التقت “الثورة” الدكتور ضياء الدين العوجة، دكتوراه في التربية، مبيناً أن صعوبات التعلّم تُعرف بأنها تدنٍ مستمر في تحصيل التلميذ الأكاديمي مقارنة بزملائه، ولا يعود ذلك إلى إعاقة بصرية أو سمعية أو حركية، ولا إلى تخلف عقلي أو اضطرابات نفسية أو ظروف اجتماعية قاهرة، بل غالباً ما يكون السبب اضطراباً وظيفياً في الجهاز العصبي المركزي ينعكس على الأداء المدرسي والعمليات الفكرية. ويضيف: إن صعوبات التعلّم تنقسم إلى نوعين أساسيين: صعوبات أكاديمية مثل مشكلات القراءة والكتابة والحساب.. وأخرى نمائية، مرتبطة بالذاكرة والانتباه والتفكير. وبين أن هذه الفروق تساعد المعلمين والأهل على إدراك أن المشكلة ليست في جهد الطفل، بل في الطريقة التي يستوعب بها المعلومات ويعالجها ذهنياً. ويوضح د. ضياء أن صعوبات التعلّم تظهر عبر سلوكيات واضحة يمكن ملاحظتها مبكراً، منها: ضعف القدرة على التهجئة الصحيحة واستبدال الحروف ببعضها، وأيضاً صعوبات في رسم الحروف أو الكتابة على السطر، إضافة لمشكلات في الحساب، خصوصاً في العد الغيبي أو إجراء عمليات الجمع والطرح البسيطة، وهناك صعوبة في التمييز بين الأشكال المتشابهة كالدوائر والمثلثات والمربعات.

ويضيف: إن الحالة قد ترافقها مظاهر سلوكية مثل فرط الحركة، وتشتت الانتباه، أو الميل إلى العزلة وضعف المشاركة الاجتماعية، لكن من المهم التوضيح أن هذه المظاهر لا تنطبق على جميع الأطفال، فبعضهم قادر على التفاعل الاجتماعي بشكل طبيعي رغم صعوباته التعليمية.

استراتيجيات التعامل

يشير د. ضياء إلى أن التعامل مع صعوبات التعلّم يحتاج إلى وعي مبكر من الأهل والمجتمع التعليمي، ويقول: الطفل الذي يعاني من هذه الصعوبات لا يقل ذكاءً عن أقرانه، لكنه يحتاج إلى طرق تدريس مختلفة وصبراً إضافياً. ويؤكد أن تعزيز ثقته بنفسه وإحاطته بالحب والتشجيع يمكن أن يحوّل عجزه إلى فرصة إبداعية، من هنا تبرز أهمية دور الأسرة التي تلاحظ المؤشرات الأولى، والمعلم الذي يبادر إلى تقديم الدعم، والبيئة المدرسية التي تمنح الطفل وقتاً إضافياً وتراعي خصوصية تعلّمه.

وعن استراتيجيات التعامل، يقول د. ضياء: توجد العديد من الأساليب العملية التي تساعد في التخفيف من أثر صعوبات التعلّم، أهمها: التعزيز الإيجابي والمكافآت، لإعطاء الطفل مساحة من الثقة والشعور بالنجاح، وتجزئة المهمات عبر تقسيم الأنشطة الكبيرة إلى أجزاء صغيرة تبدأ بالأسهل وصولاً إلى الأصعب. إضافة إلى التدريب على الرسم والخطوط: مثل رسم الأشكال الهندسية أو وصل النقاط لتقوية عضلات اليد وتحسين التحكم بالقلم، واستخدام الصور البصرية المترافقة مع التدريب اللفظي، أي ربط شكل الحرف بصوت واضح ومكرر، والتدرج في الكتابة، والبدء بتقسيم الكلمات إلى حروف ثم تركيبها تدريجياً. وكذلك قراءة القصص بصوت عالٍ، لمساعدة الطفل على ربط الاستماع بالفهم ثم إعادة السرد، والتعليم بالصور والأشكال، وخاصة في الحساب والعمليات الرياضية، والعد البطيء والمتدرج: لإعطاء الدماغ وقتاً كافياً للمعالجة.

ويبين د. ضياء أن هذه الأدوات ليست مجرد طرق تعليمية، بل وسائل لفتح أبواب جديدة أمام الأطفال للوصول إلى الفهم والثقة بالنفس.

الوعي المجتمعي ومستقبل الطفل

ويشير إلى أنه لا يمكن إغفال الجانب النفسي في هذه الرحلة، فطفل صعوبات التعلّم غالباً ما يتعرض للمقارنة مع أقرانه، أو لنظرات الاستهجان التي تضعفه أكثر، وهنا يبرز دور المدرسة والمجتمع في حماية هذا الطفل من الإقصاء، ومنحه بيئة آمنة وصحية. فالمدرسة ليست فقط مكاناً لنقل المعلومات، بل فضاءٌ لتربية القيم الإنسانية، وتعزيز الثقة، وتنمية مهارات التواصل والتعاون. وإذا شعر الطفل بالأمان داخل هذا الإطار، فإن الصعوبات ستتحول إلى محطات يمكن تجاوزها خطوة بخطوة. ويبين د. ضياء أن ما يحتاجه أطفال صعوبات التعلّم قبل أي شيء هو فهم عميق من الكبار المحيطين بهم، مضيفاً: إن الأهل أمام حالة لا تُعالج بالتوبيخ أو العقاب، بل بالدعم والتشجيع، فوعي المجتمع بهذه الفئة يفتح المجال أمام سياسات تعليمية شاملة، وبرامج تربوية متخصصة، وتدريب للمعلمين على استراتيجيات التدريس الفردي. وهنا تتحول صعوبات التعلّم من عائق إلى تجربة يمكن أن تبني شخصيات قوية قادرة على مواجهة الحياة بثقة وأمل.

إن أطفال صعوبات التعلّم ليسوا أقل قدرة أو ذكاءً، بل يحتاجون فقط إلى طرق وأساليب مختلفة، وبيئة داعمة، وصبراً من المحيطين بهم، بالوعي والتعليم المناسب، يمكن تحويل هذه الصعوبات إلى فرصة لإبداع غير محدود، وبناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وإصرار، فكل طفل قادر على النجاح إذا أُعطي الفرصة والدعم المناسب، فالإرادة الحقيقية تصنع الفارق وتحقق الأمل.

آخر الأخبار
وفد  "كوفيكس" الصينية يبحث سبل التعاون مع غرفة تجارة وصناعة درعا استراتيجيات القطاعات الاقتصادية في عهدة هيئة التخطيط والإحصاء  خبير قانوني : الاعتداءات الإسرائيلية خرق للقانون الدولي المهارة تنمي شخصية الأطفال وترتقي بهم  في تطورات تعرفة الكهرباء.. مقترحات لجمعية حماية المستهلك تراعي القدرة الشرائية ما أسباب التحول الخطير في النظام النووي الدولي؟ اعتراف سوريا بـ كوسوفو... بين الرد الصربي وحق تقرير المصير الشتاء أفضل من أي وقت آخر لمعالجة الأشجار المثمرة الشيباني: الشرع يزور واشنطن وسوريا ماضية بخطا واثقة نحو ترسيخ الاستقرار تلميحات أميركية لاتفاق نووي سلمي سعودي-أميركي بلاغات الاختطاف في سوريا.. الواقع يدحض الشائعات "الداخلية" تستعرض ما توصلت إليه لجنة التحقيق عن حالات خطف في الساحل "الزراعة" تزرع الأمل.. مشروع الغراس المثمرة يدعم التنمية الريفية "دير الزور 2040" خطة طموحة لتنمية المحافظة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية الشيباني يبحث مع نظيره البحريني تعزيز العلاقات وآفاق التعاون المتسول من الحاجة إلى الإنتاج جلسة خاصة حول إعادة إعمار سوريا ضمن أعمال "الكومسيك" في إسطنبول  الدواء والمستشفيات محور شراكة سورية ليبية مرتقبة التحولات الإيجابية في سوريا تقلق الاحتلال وتدفعه للتوغل في أراضيها الأسباب والتحديات وراء الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا