الثورة – رولا عيسى:
توالى التصريحات والحديث عن تغيير العملة واستبدالها وارتباطها بالسيولة المصرفية، ويبدو أن ذلك ينطوي على إيذان باقتراب الموعد المرتقب. تلك الخطوة، ينظر إليها الخبراء والمراقبون على أنها ربما تكون بداية تحوّل اقتصادي هام في سوريا، أيضاً من الضروري الغوص لعدة مرات في تفاصيلها.
حول هذه النقاط، يقول الباحث والإعلامي الاقتصادي أحمد العمار في حديث لـ “الثورة”: “استبدال العملة الوطنية وحذف الأصفار في البداية يراد منه ضبط موضوع السيولة وتسهيل حمل النقد بالدرجة الأولى قبل معالجة التضخم وقبل الأمور الأخرى، لأن اليوم هناك مشكلة في سوريا تتعلق بحمل النقد، فقد أصبح الأمر صعباً على الناس. ويتابع: كما أن قيمة النقد لن تتغير، فعندما نتحدث عن 1000 ليرة ستصبح 10 ليرات، لكن القيمة لم تتغير، وإنما اختلف الإجراء واختلف المبلغ المحمول واختلف الجانب الفيزيائي.

غياب الإحصاءات
وفيما يتعلق بمشكلة السيولة، يوضح العمار قائلاً: “المشكلة الأساسية التي تواجه السياسة النقدية في سوريا تكمن في غياب الإحصاءات الدقيقة حول حجم العملة المتداولة.
فمثلاً هناك من يتساءل؟.. لماذا لم تُجرَ انتخابات مجلس الشعب بناء على تعداد دقيق للسكان؟ كم عدد سكان سوريا فعلاً؟.. هذه المشكلة موجودة جتى في قطاع النقد، وكما هو معروف، تفاقمت المشكلة خلال سنوات الحرب و الثورة السورية، إذ شهدت البلاد تدفقاً غير طبيعي للعملة، ربما بسبب التهريب والعوامل الأخرى التي أثرت بشكل كبير على استقرار الوضع الاقتصادي والنقدي.
ويتابع العمار: “وبالتالي، عندما تبدأ بطباعة عملة جديدة، هذه العملية تشبه إعادة برمجة لجهاز الكمبيوتر، بمعنى أنك تبدأ من جديد، كما تبدأ بتحديد الأرصدة في البنوك، وما بين أيدي الناس وفي التداول أيضاً. ويضيف: كما أنك تستطيع تأمين تمويل المشتريات على مستوى الحكومة والقطاع الخاص، وكل هذه الأشياء عبر الوعاء الوطني للورق “الليرة”. وعن استقرار النقد في سوريا، يعتقد العمار أنه سيتحقق بفضل العديد من العوامل، ويقول: “أعتقد أن النقد في سوريا سيستقر، بدايةً لأن هناك سياسة نقدية متوازنة، تتكيف مع المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية. وينوه إلى أن هذه السياسة تراعي دخل الأفراد، وتراعي نسبة البطالة، وضعف الإنتاج في الشركات ومؤسسات القطاع العام والخاص.
كتلة منضبطة
ومع ذلك، ما يعوّل عليه في هذا الاستقرار هو أن استبدال العملة سيؤدي إلى كتلة نقدية منضبطة، يمكنك التحكّم في طبعها بناء على الاحتياطيات المتاحة، وبالتالي ستجنب العملة الهبوط والحدّ من التضخّم، والكلام للعمار. ويشير إلى أنه في المستقبل، قد تربط العملة، كما أرى شخصياً، بعملات أخرى مثل الدولار، أو يمكن تنفيذ تعويم للعملة، مما يعني تأثيرات كبيرة على استقرار النقد.
قطّاع مصرفي ضعيف
وفيما يخص القطاع المصرفي، يرى العمار: في مرحلة النظام المخلوع و”قبل الثورة السورية، لم يكن لدينا قطّاع مصرفي حقيقي، بل كان لدينا بقايا مصارف حكومية ومصارف خاصة ضعيفة، تجني أغلب أرباحها من القطّاع غير التشغيلي، وكان هناك بعض المنتجات المصرفية، والتركيز على التمويل الاستهلاكي، مثل شراء السيارات والمنازل، بينما لم تدخل المصارف في دعم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة. وعلى الرغم من أن هذه المصارف كانت امتداداً للمصارف المحلية والإقليمية، وبحسب الباحث والإعلامي الاقتصادي، إلا أن صانع القرار في هذه المصارف لم يكن يرغب في التوغّل في السوق السوري أو التورط فيه، مع أنه كان يضمن العمل المصرفي، لكن من واقع الأرقام والمؤشرات، كانت عمليات التمويل المصرفي ضعيفة ولم تدعم الاقتصاد الحقيقي في سوريا. ويقول: هذا ينطبق أيضاً على شركات التأمين، فرغم كونها جزءاً من القطاع المالي، إلا أن مساهمتها كانت محدودة، ومع ذلك أعتقد أن القطاع المصرفي سيشهد استقراراً، وسيكون قابلًا للنمو والتوسع.
هويّة العملة
وفيما يتعلق بتغيير العملة السورية، يقول العمار: “أعتقد أن استبدال العملة هو قضية نقدية وطنية لها رمزية ومعنى، بل هي جزء من عملية الانعتاق من النظام السابق الذي أفسد البلد والنقد والمال. ويضيف: الأهم في الواقع، يجب أن تكون العملة الجديدة ذات هوية محددة، بحيث يمكن التعرف إليها بسهولة، كما أنه يمكن ربط الأجزاء المختلفة لهذه الهوية ودلالاتها، و وفقًا لتصريحات الحاكم، سيتم تصميم فئات النقد بحيث يكون لها ملمس مختلف، مما سيجعلها أكثر تميّزًا.
وأيضاً والكلام للعمار، ستكون خطة طرح العملة الجديدة منظمة، إذ ستبدأ فترة استبدال النقد لمدة خمس سنوات، على أن يتم خلالها التعايش بين العملتين القديمة والجديدة، ومن ثم تبدأ عملية استبدال مكثفة للعملة الجديدة.
منوهاً أن هذه العملية ستكون تدريجية بحيث لا يشعر المواطن بأي صعوبة اقتصادية.
وفيما يتعلق بالتضخم، يؤكد العمار أنه يجب أن نعرف أن التضخم لا يُصنع فقط عبر النقد، بل هو عملية شاملة تشمل السياسة النقدية والمالية والسياسة الاقتصادية العامة في البلاد.
وبالتالي، يجب ضبط الإنتاج، الاستيراد والتصدير، وتمويل المستوردات، إلى جانب توفير القوة الشرائية، وزيادة الرواتب في القطاعين العام والخاص لضمان تناسب معقول بين الدخل والإنفاق، مما يتيح للأفراد تأمين احتياجاتهم الأساسية.
الخيارات الصحيحة
ويختتم العمار بالحديث عن تنمية القطاع المصرفي في سوريا ، وينوه بالقول: “وصلتني معلومات تفيد بأن هناك 70 جهة مصرفية تتنافس الآن لدخول السوق المصرفية السورية، وهذا سيساهم في تنمية القطاع المصرفي في اتجاهين، الأول هو التفاضل بين هذه الجهات، بحيث نختار بنوكاً وازنة تمتلك قدرة تمويلية وخبرة كبيرة.
الأمر الآخر بحسب العمار، هو تنوع المنتجات المصرفية، حيث سيكون هناك مصارف تقدم الخدمات المصرفية الاعتيادية، وأخرى متخصصة في التمويل، وأخرى في الشق الاستثماري.
ويقول: “أنا هنا، من واقع عملي في الخليج، وبوجودي في هذه المنطقة، لاحظت أن العديد من المصارف في دول الخليج، خصوصاً في الإمارات والسعودية وقطر، بصدد دراسة السوق السوري وتحليل كيفية دخولها، مع تحديد الآليات المناسبة وحجم الانتشار والخبرات المطلوبة، وهذا يعكس تحسناً كبيراً في قطاعي المصارف والمال في سوريا.
وفي الختام، يؤكد العمار على أهمية هوية العملة الجديدة في السياق الوطني، إذ كانت العملة السورية السابقة “نشازاً وغير متجانسة”.
ويضيف: “مثلاً، فئة الـ5000 ليرة كانت تختلف تماماً عن فئات أخرى من حيث الهوية وغير متجانسة مع بقية الفئات، أما الآن وفقاً للمسؤولين في مصرف سوريا المركزي سيعملون على هذا الجانب، وتم الاتفاق على استبعاد الصور والرموز في تصميم العملة الجديدة، بما يحقق انسجاماً أكبر بين الفئات النقدية.”