الثورة – سيرين المصطفى:
تعيش محافظة إدلب اليوم مرحلة جديدة من الاهتمام بإعمار المساجد وترميمها، بعد سنوات طويلة من الدمار الذي خلّفته الحرب، حيث طال القصف الممنهج لقوات النظام البائد مئات المساجد في المدن والبلدات، ما أفرغ كثيراً من القرى من مراكزها الروحية والاجتماعية، واليوم، تتجدد الجهود بهمة الأهالي والمؤسسات الدينية لإعادة بناء هذه المعالم التي تمثل جزءاً من هوية المدينة وذاكرتها التاريخية.
أعلنت محافظة إدلب عن افتتاح مسجد الصديق في قرية الرامي بعد انتهاء أعمال الترميم والتأهيل، بحضور مدير ناحية إحسم مروان الحمادة، ومدير شعبة أوقاف أريحا الشيخ معتز رموض، في أجواء احتفالية تعكس عودة الحياة الدينية إلى القرى التي أنهكتها الحرب.
وفي السياق نفسه، تواصلت أعمال الترميم والإنشاء في جامع داوود الذي يُعد من أكبر المساجد في شمال سوريا، حيث جرى تنفيذ المرحلة الأخيرة من أعمال الصبّ الإنشائي بإشراف مباشر من مدير أوقاف إدلب عبد الحميد الخلف، والمهندس مصطفى حاج قدور، مدير مديرية الهندسة في وزارة الأوقاف، إلى جانب شحود عبد العزيز، مدير مدينة باب الهوى الصناعية، ضمن متابعة ميدانية دقيقة تضمن التزام المشاريع بالمعايير الهندسية والفنية المعتمدة.
وأوضحت محافظة إدلب في بيان رسمي أن هذه المشاريع تأتي ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعادة تأهيل دور العبادة المتضررة في مختلف مناطق المحافظة، مشيرةً إلى أن تنفيذ الأعمال يتم وفق أعلى معايير الجودة وتحت رقابة هندسية صارمة، لضمان سلامة الأبنية ومطابقتها للشروط الفنية والجدول الزمني المحدد.
كما شهدت بلدة الجانودية في ريف جسر الشغور افتتاح مسجد عمر بن الخطاب بعد ترميمه بالكامل، بحضور الشيخ عماد خدو، مسؤول شعبة أوقاف جسر الشغور، ومدير الناحية الشمالية عبد المالك محمو، في خطوة تؤكد استمرار جهود الوزارة في إعادة افتتاح المساجد التي كانت مغلقة منذ سنوات.
تعيد هذه المشاريع إلى الأذهان حجم المأساة التي تعرّضت لها المساجد السورية خلال الحرب، إذ وثقت وزارة الأوقاف تدمير أكثر من 3100 مسجد على يد قوات النظام البائد، بعضها عبر القصف الجوي المباشر، وبعضها الآخر جرى نهب محتوياته أو تحويله إلى ثكنات عسكرية. هذا الدمار لم يكن مجرد استهداف لبنى معمارية، بل محاولة لطمس الرموز الدينية والاجتماعية التي شكّلت جزءاً من نسيج الهوية السورية.
اليوم، تسعى وزارة الأوقاف بالتعاون مع السلطات المحلية في إدلب إلى إحياء الحياة الدينية والاجتماعية من خلال إعادة بناء المساجد، باعتبارها مراكز تجمع أساسية للناس ومظلةً للعمل التطوعي والتعليمي والخيري.
وتشمل الخطة الحالية مشاريع ترميم موسّعة للمساجد التاريخية في جبل الزاوية وجسر الشغور وأريحا، إلى جانب إنشاء مساجد جديدة في القرى التي أعيد إعمارها مؤخراً.
تُعد عودة المآذن إلى سماء إدلب رمزاً لعودة الحياة بعد الحرب، ورسالة تؤكد أن السوريين ماضون في استعادة روحهم وهويتهم رغم سنوات الدمار. فالمساجد التي كانت شاهدة على القصف والنزوح، باتت اليوم عنواناً لإرادة الإعمار والاستقرار، ومؤشراً على عودة الإيمان بقدرة المجتمع على النهوض من جديد، مستنداً إلى قيمه الدينية والإنسانية العميقة.