النقد الذرائعي.. كائن حي في قلب النص الأدبي

الثورة – لجينة سلامة:

تعتبر النظرية الذرائعية واحدة من أحدث المناهج النقدية التي ابتكرها الناقد العراقي عبد الرزاق الغالبي، وقد أُسست لتلبية حاجة الأدب العربي إلى منهج نقدي حديث وأصيل يبتعد عن المناهج الغربية.

تركز هذه النظرية على تحليل النصوص الأدبية من منظور يدمج بين المنفعة الإيجابية والقيم الإنسانية، بعيداً عن النفعية المادية التي تميز البراغماتية الغربية.

النقد الذرائعي يعتمد على تحليل النصوص بناءً على عدة مستويات “الفلسفية، الأخلاقية، النفسية، والسلوكية”.

ويُعد هذا النوع من النقد الأكثر توافقاً مع الأدب العربي الذي يتسم بالثراء اللغوي والبلاغي.

كما أن الذرائعية تتيح منطلقاً نقدياً شاملاً يتضمن تطبيقات على النصوص الشعرية، السردية، وحتى الرقمية، ويشمل مجالات أكاديمية وإعلامية واسعة، وهو ما ساعد على انتشاره في الوطن العربي خلال العقد الأخير.

عوامل الانتشار

إن الحاجة إلى منهج نقدي يعكس هوية الثقافة العربية ويستجيب للتحديات الفكرية المعاصرة هي من أهم عوامل الانتشار.

كما أن الذرائعية توفر بديلاً عن المناهج الغربية التي أصبحت عاجزة عن تحليل النصوص الحديثة التي تتداخل فيها الأجناس الأدبية.

فضلاً عن دور الأكاديميين والنقاد العرب الذين ساهموا في نشر هذه النظرية من خلال مؤتمرات ومنشورات.

النقد الذرائعي: كائن حي في قلب النص الأدبي

تؤكد الأديبة الناقدة ليلى أحمد في حديثها لصحيفة الثورة: “إن النقد الذرائعي يمثل تحوّلاً مهماً في مسار النقد الأدبي العربي، كونه يدمج بين العقل العربي وموروثه الثقافي، ويؤكد على تفاعل الأدب مع الإنسان، بعيداً عن التركيز على البنية اللغوية فقط. بل إنه ينظر إلى الأدب كفعل إنساني يعكس التجربة الحياتية والأخلاقية للفرد والمجتمع”.

وتشير أحمد إلى أنه يمكن تفسير انتشار النقد الذرائعي -في العقد الأخير تحديداً- من خلال مجموعة عوامل فكرية وثقافية وتاريخية متداخلة، يمكن تلخيصها في الحاجة إلى منهج نقدي عربيّ الهوية، فبعد عقود من تبعية النقد العربي للمناهج الغربية (البنيوية، التفكيكية، السيميائية…)، بدأت تتصاعد دعوات لتأسيس منهج عربي ينبع من بيئتنا الفكرية والثقافية.

فجاء النقد الذرائعي ليقدّم هذا البديل، مستنداً إلى العقل العربي وموروثه الأخلاقي والديني واللغوي، ومزاوجاً بين المنهج العلمي الحديث والروح الإنسانية.

انحسار المناهج الشكلانية الغربية

فقدت المناهج الشكلية قدرتها على احتواء النصوص الجديدة التي تتداخل فيها الأجناس (النص الرقمي، التفاعلي، النص ما بعد الحداثي).

مع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، جاءت الذرائعية بمنظورها الوظيفي والإنساني والسلوكي لتعيد للنقد معناه كفعل مرتبط بالإنسان لا بالبنية فقط، مركزة على الغاية الأخلاقية والجمالية والاجتماعية للنص. ومن العوامل أيضاً ظهور الكاتب العربي الجديد، والذي يكتب في بيئة مضطربة من الحرب، والمنفى، والتعدد الثقافي، والهوية المتشظية.

فكان لا بد من منهج نقدي يقرأ العلاقة بين النص والواقع، بين الذات والمجتمع، وهذا بالضبط ما تقوم به الذرائعية عبر مستوياتها المتعددة (البؤرة الفكرية، الخلفية الأخلاقية، المستوى النفسي، والمستوى البصري والديناميكي واللساني الجمالي والرقمي، التجربة الإبداعية).

مضيفة أحمد القول: إن البنية المرنة والجامعة للذرائعية تجعلها لا تُقصي المناهج الأخرى، بل تدمجها في مستوياتها، فتستفيد من التحليل النفسي، واللساني، والجمالي، والتداولي، ضمن رؤية شاملة متكاملة.

وهذا ما جعلها منهجاً تطبيقياً مفتوحاً قادراً على استيعاب النصوص الشعرية والسردية والدرامية وحتى الرقمية.

وأخيراً إن الدور الأكاديمي والإعلامي العربي ارتبط بانتشار الذرائعية أيضاً بجهود مؤسِّسها المنظّر العراقي عبد الرزاق عودة الغالبي، ومن طبّقها وطورها مثل د.عبير خالد يحيي، عبر كتب ودراسات ومحاضرات ومنصات نقدية ومؤتمرات عربية.

هذا العمل الجماعي الهادف إلى تأسيس مدرسة نقدية عربية معاصرة هو ما جعل الذرائعية تنتقل من فكرة إلى حركة نقدية معترف بها في العالم العربي، لاسيما بعد تدريب العديد من النقاد العرب عبر ورش و تقديم العديد منهم دراسات وكتب تطبيقية في كل من المغرب وتونس والجزائر وسوريا والعراق ومصر ولبنان.

“شذوذ” و”شهادة”

قدمت الأديبة ليلى أحمد دراستين نقديتين ذرائعيتين لقصتين قصيرتين، الأولى بعنوان “شذوذ” للقاصة السورية أميرة إبراهيم، حيث يُحَلل النص كاشفاً عن رمزية الأقنعة التي يتبدلها البطل، وتقدمه كشخصية تنقلب مع كل سلطة جديدة، مما يؤدي إلى فقدان هويته الحقيقية وتدمير ذاته.

أما الثانية، فكانت لقصة “شهادة” للقاص ياسر أبو عجيب، الذي يسرد قصة بطل ضاقت به الدنيا ليجد خلاصه في “فن اللامبالاة”، ففقد الحساسية تجاه ما حوله واكتفى بالنبش في القمامة لإطعام أولاده.

ومن خلال هذه القراءات النقدية، يبرز النقد الذرائعي كأداة تحليلية فعّالة لفهم النصوص الأدبية الحديثة، إذ يعالج قضايا الإنسان والهوية والمجتمع من خلال منطق أخلاقي وإنساني.

آخر الأخبار
في تطورات تعرفة الكهرباء.. مقترحات لجمعية حماية المستهلك تراعي القدرة الشرائية ما أسباب التحول الخطير في النظام النووي الدولي؟ اعتراف سوريا بـ كوسوفو... بين الرد الصربي وحق تقرير المصير الشتاء أفضل من أي وقت آخر لمعالجة الأشجار المثمرة الشيباني: الشرع يزور واشنطن وسوريا ماضية بخطا واثقة نحو ترسيخ الاستقرار تلميحات أميركية لاتفاق نووي سلمي سعودي-أميركي بلاغات الاختطاف في سوريا.. الواقع يدحض الشائعات "الداخلية" تستعرض ما توصلت إليه لجنة التحقيق عن حالات خطف في الساحل "الزراعة" تزرع الأمل.. مشروع الغراس المثمرة يدعم التنمية الريفية "دير الزور 2040" خطة طموحة لتنمية المحافظة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية الشيباني يبحث مع نظيره البحريني تعزيز العلاقات وآفاق التعاون المتسول من الحاجة إلى الإنتاج جلسة خاصة حول إعادة إعمار سوريا ضمن أعمال "الكومسيك" في إسطنبول  الدواء والمستشفيات محور شراكة سورية ليبية مرتقبة التحولات الإيجابية في سوريا تقلق الاحتلال وتدفعه للتوغل في أراضيها الأسباب والتحديات وراء الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا إعادة تأهيل محطة مياه الفرات العملاقة المغذية لمدينة ديرالزور المنحة القطرية وجسر الكهرباء.. في زمن ارتفاع الأسعار توزيع السماد المركب لمزارعي الزيتون في "تديل" بريف حلب وسائل التواصل الاجتماعي وحالة التوحش