الثورة – منذر عيد:
يشكل قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بجملة من التوغلات في ريف القنيطرة تحدياً صارخاً للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة، لا يهدد سوريا وحدها، بل يمثل خطراً على استقرار المنطقة بأسرها.
وأكد المختص بالقانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية المعتصم الكيلاني، أن ما جرى ويجري في ريف القنيطرة يعكس تطوراً ميدانياً خطيراً يحمل أبعاداً سياسية وأمنية تتجاوز حدود المنطقة المحلية، وأن إقامة قوات الاحتلال الإسرائيلي لحاجز دائم على أطراف قرية الصمدانية الغربية، وتوغّل آلياتها العسكرية في قرى الصمدانية الشرقية وأوفانيا، يشيران إلى مسعى تدريجي لتغيير قواعد الاشتباك وترتيبات الأمن المعمول بها منذ اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 بين سوريا وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة.
وقال الكيلاني في تصريح لـ”الثورة”: إن اتفاق فك الاشتباك الذي أرسى منطقة فصل خالية من القوات العسكرية، يشكّل إحدى ركائز الاستقرار النسبي في الجنوب السوري منذ عقود، حيث إن أي تحرك ميداني إسرائيلي داخل هذه المنطقة يُعدّ خرقاً واضحاً لذلك الترتيب، ويمثّل تهديداً مباشراً للسيادة السورية ولسلامة المدنيين القاطنين في تلك القرى الحدودية، مشيراً إلى أن إقامة بوابات حديدية على أسس إسمنتية وإغلاق الطرق بين القرى، مثل الحميدية والصمدانية الغربية، لا يمكن النظر إليه كمجرد إجراء أمني مؤقت، بل هو خطوة تحمل دلالات سياسية، لأنها تؤسس لواقع ميداني جديد يحدّ من حركة الأهالي ويُظهر سلطة فعلية على الأرض لا تتوافق مع القانون الدولي.
وأوضح الكيلاني أن تكرار التوغلات الإسرائيلية بالآليات الثقيلة والدبابات والجرافات داخل الأراضي السورية، ولو لمسافات محدودة، يُعبّر عن توجه نحو ترسيخ سيطرة تدريجية، أو على الأقل اختبار مدى رد الفعل المحلي والدولي، واستمرار مثل هذه الإجراءات من دون ردّ ملموس قد يؤدي إلى ترسيخ حالة “احتلال زاحف”، أي سيطرة بحكم الأمر الواقع، ولو لم تُعلن رسمياً”.
ومن زاوية الاستقرار الإقليمي، بين الكيلاني أن هذه التحركات ترفع منسوب التوتر على طول خط الفصل في الجولان، وتزيد احتمالات وقوع اشتباكات أو حوادث عسكرية بين القوات الإسرائيلية من جهة، والجيش السوري أو أهالي القرى المستهدفة، كما أن غياب الرد الدولي الفعّال يشجع إسرائيل على المضي قدماً في هذه السياسة “الخطوة بخطوة”، إذ تدرك أن المجتمع الدولي منشغل بأزمات أخرى وأن الموقف العربي لا يزال منقسماً، ومع مرور الوقت، تتحول التحركات المؤقتة إلى وقائع ميدانية ثابتة يصعب التراجع عنها لاحقاً، كما حدث في تجارب سابقة في فلسطين والجولان نفسه.
وعلى الصعيد القانوني والدبلوماسي، أوضح الكيلاني أن هناك مسارات عدة يمكن لسوريا والمجتمع الدولي استخدامها لمواجهة هذه الإجراءات، في مقدمتها الاستناد إلى قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار رقم 497 لعام 1981 الذي نصّ صراحة على أن فرض إسرائيل لسيادتها على الجولان “باطل ولاغٍ ولا أثر قانوني له”، يمكن للحكومة السورية أن تطلب من مجلس الأمن والجمعية العامة إعادة التذكير بهذا القرار، والمطالبة بتفعيل الآليات التنفيذية لمحاسبة الاحتلال على خروقاته المتكررة، كما يمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتقديم شكوى رسمية ضد إسرائيل باعتبارها دولة محتلة تمارس أعمالاً مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية السكان المدنيين تحت الاحتلال.
وتابع الكيلاني:” في الوقت نفسه، يمكن فتح ملفات قانونية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتقديم تقارير موثقة عن الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون السوريون في ريف القنيطرة، وعن آثار التوغلات والحواجز على الحياة اليومية، هذه الشكاوى، حتى وإن كانت رمزية في البداية، تسهم في بناء سجل قانوني دولي يثبت استمرار الاحتلال في انتهاك التزاماته، كما يمكن العمل على تفعيل قاعدة “عدم الاعتراف” بأي تغييرات تفرضها إسرائيل على الأراضي السورية المحتلة، بحيث يُحظر على الشركات أو الحكومات التعامل مع أي مشروع أو نشاط اقتصادي داخل تلك المناطق”.
وأشار الكيلاني الى أنه إلى جانب المسار القانوني، يُفترض أن يُفعّل التحرك الدبلوماسي والإعلامي لتسليط الضوء على هذه الممارسات، فإسرائيل غالباً ما تنفذ خطواتها بهدوء، في ظل غياب المتابعة الإعلامية الدولية، لذلك، فإن توثيق هذه الانتهاكات بالصور والتقارير والشهادات المحلية ونشرها عبر القنوات الرسمية والمنظمات الحقوقية يشكل عنصر ضغط معنوياً وسياسياً، كما يمكن لسوريا أن تطلب عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن لبحث التطورات في القنيطرة، مستندة إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول “الممارسات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل” الصادر في تشرين الأول 2023، والذي أشار إلى استمرار التوسع في النشاطات العسكرية وتغيير طبيعة المنطقة ديموغرافياً وجغرافياً.
وأكد الكيلاني أن خطورة ما يجري لا تكمن فقط في حجم التحركات العسكرية، بل في الرسائل السياسية التي تحملها، فإسرائيل، من خلال هذه الخطوات، تختبر حدود الصمت الدولي، وتسعى لترسيخ فكرة أن الجولان بأكمله منطقة نفوذ أمني لها، وإذا لم تُواجه هذه السياسة بموقف قانوني ودبلوماسي حازم، فقد تتوسع تدريجياً نحو مناطق أعمق داخل الأراضي السورية، لذلك فإن التحرك الآن لا يهدف فقط إلى وقف الانتهاكات الراهنة، بل إلى منع تحوّلها إلى قاعدة دائمة تفرض أمراً واقعاً جديداً يصعب تغييره في المستقبل.
وختم الكيلاني بالقول :” باختصار، ما يحدث في ريف القنيطرة هو تحدٍ مباشر للسيادة السورية وللقانون الدولي، ويمثل خطراً على استقرارسوريا والمنطقة بأسرها، الردّ عليه يجب أن يكون شاملاً، قانونياً في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، ودبلوماسياً عبر الحشد الدولي والإقليمي، وإعلامياً عبر التوثيق والفضح، لأن التغاضي عن هذه الإجراءات اليوم يعني القبول الضمني بحدودٍ جديدة مرسومة بقوة السلاح بدلاً من القانون”.