الثورة – لينا شلهوب:
رغم قسوة السنوات الماضية، وما تركته الحرب والجفاف من آثار عميقة على القطاع الزراعي، ما زالت الأرض السورية تنبض بالحياة، وتتمسك بخضرتها كرمز للصمود والأمل، ومن بين الجهود الوطنية الرامية إلى إعادة إحياء هذا القطاع الحيوي، يبرز مشروع إنتاج الغراس المثمرة الذي تطلقه وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ليكون بمثابة بذرة جديدة لغد أكثر استدامة.
فمن مشاتل تمتد على مساحات واسعة في مختلف المحافظات، يعمل مختصون وفنيون على إنتاج غراس عالية الجودة، خالية من الأمراض والآفات، ومتكيفة مع الظروف البيئية المحلية، في خطوة تهدف إلى دعم المزارعين، وتوسيع رقعة الأشجار المثمرة، وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
إعادة بناء الزراعة
الخبير في الشؤون الزراعية المهندس محمد النجم بين لصحيفة الثورة، أن هذا المشروع لا يقتصر على تزويد المزارعين بالشتول فحسب، بل يمثل رؤية متكاملة لإعادة بناء الزراعة السورية على أسس علمية حديثة، تجعل من كل غرسة نواة حياة جديدة تنمو رغم الصعوبات، لتؤكد أن الزراعة كانت وستبقى روح الأرض السورية ومصدر قوتها.
ويضيف أنه في ظل التحديات الكبيرة التي واجهها القطاع الزراعي خلال السنوات الماضية، تعمل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على تنفيذ مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى إعادة إحياء الزراعة، وتعزيز الأمن الغذائي الوطني، ومن بين أبرز هذه المشاريع، يبرز مشروع إنتاج الغراس المثمرة الذي يسعى إلى توفير غراس عالية الجودة وخالية من الآفات والأمراض، لتلبية احتياجات المزارعين ودعم خطط التشجير المثمر في مختلف المحافظات، حيث يمثّل هذا المشروع خطوة استراتيجية في إطار الجهود الحكومية الرامية إلى تحقيق التنمية الزراعية المستدامة، من خلال تعزيز إنتاجية الأراضي الزراعية، وتنويع مصادر الدخل الريفي، وزيادة المساحات المزروعة بالأشجار المثمرة ذات القيمة الاقتصادية العالية مثل الزيتون والحمضيات والتفاح والكرمة وغيرها.

دوره في دعم الزراعة
تأتي أهمية مشروع إنتاج الغراس المثمرة، كما يوضح النجم، من كونه يشكّل القاعدة الأساسية لأي نهضة زراعية حقيقية، إذ لا يمكن للمزارع تحقيق إنتاج وفير ومردود اقتصادي جيد دون توافر غراس سليمة ومتأقلمة مع الظروف البيئية المحلية، كذلك يسهم في خفض تكاليف الاستيراد من خلال إنتاج الغراس محلياً بجودة عالية، ما يخفف الأعباء عن المزارعين ويدعم الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى أنه يهدف إلى تزويد المزارعين بغراس مطابقة للمواصفات القياسية، عبر محطات إنتاج حديثة مزودة بالتقنيات اللازمة لضمان جودة الأصناف المنتجة، وتشرف فرق فنية مختصة على مراقبة صحة الغراس بدءاً من مرحلة الإكثار وحتى التسويق، لضمان خلوها من الأمراض الفيروسية والبكتيرية والفطرية التي تؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي.
وأشار إلى أن أنشطة المشروع تمتد لتشمل مختلف المحافظات، من الساحل إلى الداخل، بهدف تحقيق التوازن الزراعي بين المناطق وتوزيع الإنتاج بشكل عادل، وتعمل الوزارة على تطوير المشاتل التابعة لها وتجهيزها بأنظمة ري حديثة ومخابر متخصصة في الإكثار النسيجي، بما يتيح إنتاج ملايين الغراس سنوياً.
ويجري التركيز حالياً على إعادة تأهيل المشاتل المتضررة نتيجة الحرب، وتزويدها بالمعدات اللازمة لاستئناف العمل بوتيرة مرتفعة، إضافة إلى تدريب الكوادر الفنية على أحدث أساليب الإكثار الزراعي، كما يجري التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بالتنمية الزراعية لتبادل الخبرات والحصول على الدعم الفني والتقني.
التحديات والصعوبات
الخبير الزراعي المهندس أحمد السالم يرى أنه رغم النجاحات التي حققها المشروع، إلا أنه لا يخلو من التحديات، فسنوات الحرب الطويلة وما رافقها من تدمير للبنية التحتية الزراعية ونقص في مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليف النقل والطاقة، شكّلت عوائق أمام استمرارية العمل في بعض المناطق، كما ساهم تأثير التغيرات المناخية والجفاف في زيادة الضغوط على الموارد المائية، ما استدعى البحث عن أصناف غراس أكثر تحملاً للظروف البيئية الصعبة، مضيفاً أن مشروع إنتاج الغراس المثمرة يعد من أهم المشاريع الاستراتيجية في المرحلة الحالية، منوهاً بأن توفير غراس محسّنة وسليمة هو الخطوة الأولى نحو تطوير الزراعة السورية من جديد، فالمشروع لا يقتصر على إنتاج الشتلات فحسب، بل يمثل منظومة متكاملة تبدأ من اختيار الأصناف الملائمة للمناخ السوري، وتنتهي بتسليم المزارع غرسة جاهزة للزراعة ومضمونة الجودة، هذا ينعكس مباشرة على زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته، ويقلل من الخسائر التي كانت تنتج سابقاً عن استخدام غراس مصابة أو غير ملائمة للبيئة المحلية.
ويؤكد السالم أن دعم المزارعين من خلال الأسعار التشجيعية والتوعية بأساليب الزراعة الحديثة سيساعد على توسيع رقعة الأشجار المثمرة وتحسين الدخل الريفي، مشيراً إلى أن الاستثمار في المشاتل هو استثمار طويل الأمد ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني وعلى الأمن الغذائي للبلاد.