المتسول من الحاجة إلى الإنتاج

الثورة – مريم إبراهيم:

في وقت لم تعد مجرد مشكلة مجتمعية كما باقي المشكلات الأخرى، بل أصبحت ظاهرة كبيرة خطيرة، إذ يعكس التسول وتزايد أعداد المتسولين في مختلف الأحياء والمناطق السورية يوماً بعد آخر كماً كبيراً من المشكلات والآثار السلبية الخطيرة على الفرد والمجتمع.

وتتفاقم الظاهرة مع عدم إيجاد حلول مناسبة لمعالجتها في ظروف اقتصادية ومعيشية قاسية، جعلت كثيرين من أطفال ونساء وكبار السن يدخلون دائرة التسول، إضافة إلى ما تم رصده من وجود أشخاص مستغلين يستخدمون الأطفال للتسول لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، غيرعابئين بما يحدث من انعكاسات على مستقبل الأطفال وتسربهم من المدارس لهذه الغاية.

المشهد المؤلم

ومؤخراً أخذت وزارة الشؤون الاجتماعية تلحظ أبعادها وضرورة معالجتها والحد منها بالتشاركية مع وزارات وجهات معنية ومنظمات مجتمع مدني، ولتطلق حملة مكثفة للمعالجة والحد منها بعد أن انتهت من أعمال تأهيل عدد من مراكز التأهيل للمتسولين، ومنها مركز الكسوة بريف دمشق. ومن ساحة هذا المركز تم إطلاق الحملة الخميس الماضي بحضور محافظي دمشق وريفها وممثلين عن عدد من الوزارات والجهات المعنية بظاهرة التسول، وحضور مؤثرين وإعلاميين، وفعاليات من المجتمع المحلي والمنظمات الأهلية.

وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات بينت ضرورة تكاتف جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية للحد من انتشار هذه الظاهرة التي أضحت مشهداً مؤلماً في شوارع سوريا، ما عكس عمق المشكلة الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، داعية لتوجيه الجهود لرعاية الأطفال المتسولين من الفتيات والفتيان حتى سن الثامنة عشرة، باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة للاستغلال والانتهاك، وسيتم تحديد احتياجات هذه الفئات بدقة وفق المعايير الدولية الخاصة بالطفل، ومن خلال دراسة مشتركة من جهات عدة تشمل الحالة النفسية والاجتماعية لكل طفل، مع تعويض الفاقد التعليمي له أو تنفيذ برامج محو أمية وإخضاعه لتعليم مهني، لنقلهم من دائرة الحاجة إلى دائرة الإنتاج.

ونوهت قبوات بأنه سيتم تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية وفق معايير معتمدة، تحدد مدة بقاء الطفل في مراكز الرعاية الاجتماعية، والتي تتراوح بين ستة أشهر وسنتين، والوزارة تعمل مع وزارات الصحة والعدل والداخلية والتربية، والأوقاف والطوارئ وإدارة الكوارث والمحافظات، وفق آلية تنسيق وطنية شاملة للمعالجة، مع أهمية نشر التوعية التي تمثل الحجر الأساس في نجاح أي خطة، ومن خلال إطلاق حملات وطنية حول آثار التسول وطرق المساعدة الصحيحة، ونشر التوعية المجتمعية.

بداية صحيحة

محافظ دمشق ماهر مروان إدلبي أكد أن تكون البداية صحيحة في المعالجة، والمحافظة تتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومنظمات المجتمع المدني والعمل في حالة تكاملية لتوفير جميع الأدوات اللازمة للحد من الظاهرة، من خلال رصد الميدان وإنشاء مراكز تأهيل ورفدها بالكوادر البشرية والمعدات اللازمة، مع الحاجة لخطاب إعلامي متوازن ومقدرة للمؤسسات في سوريا التي تعاني من إرث متهالك، وضرورة تكريس الجهود للنظر إليها بطريقة علاجية وحضارية تليق بهذه الشريحة، فالمتسولين منهم من هو بحاجة ومنهم مستغل ومنهم ممتهن وبالتالي هناك مشكلات مجتمعية وانحدار مجتمعي، وهناك متسولون بحاجة للرحمة والتأهيل والتدريب.. محافظ ريف دمشق عامر الشيخ أكد ضرورة صون كرامة الإنسان وفق مبدأ الثورة السورية منذ انطلاقتها، والتسول ظاهرة خطيرة ساهم في ازديادها ممارسات النظام البائد، لتغدو قضية مجتمعية وإنسانية تتطلب معالجتها تضافر الجميع، والمحافظة تبدي استعدادها لرعاية كل جهد يصب في معالجة هذه المأساة.

بهجت حجار من اللجنة الوطنية لمكافحة التسول لفت إلى أن إطلاق حملة للحد من التسول أمر بالغ الأهمية لمعالجة التسول، وستكون المراكز دور رعاية مناسبة للمتسولين ومجهزة بكافة الوسائل التي تضمن أفضل رعاية، ولم يتم إطلاق الحملة إلا بعد التأكد التام من جاهزيتها.

رصد وإخبار

مديرة مكتب مكافحة التسول والتشرد في الوزارة خزامى النجاد لفتت إلى التحضيرات المتعلقة بتجهيزات المراكز لاستقبال المتسولين ورعايتهم، ومهم التعاون الكلّي بين المواطن والدولة للحد من هذه الظاهرة عن طريق التواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عبر الرقم “108” أو الاتصال بأقرب قسم للشرطة، لتنظيم ضبط بالحالة وإصدار الأوراق المطلوبة، ثم تحويلها إلى القصر العدلي ومنه إلى المحامي العام، للحصول على موافقة بالإيداع في مراكز رعاية المتسولين.

في الشوارع

بالعموم آمال كبيرة تعلقها الوزارة على نجاح الحملة وإيجاد حلول مناسبة لمعالجة الظاهرة التي تحتاج لتعاون وتشبيك بين مختلف الجهات، فملف التسول من الملفات ذات الأهمية الكبيرة التي تلامس مختلف القضايا المجتمعية، وعبر الجهود والمتابعة يمكن أن يحقق نتائج أفضل ضمن خطة متكاملة لإعادة دمج الأطفال المتسولين في المجتمع، والعمل على توجيه طاقاتهم ومهاراتهم والاستثمار فيها.

من جهتها توضح الباحثة الاجتماعية اسمهان الحسين في حديثها لصحيفة الثورة أن التسول مشهد مؤذي للعين في الشوارع والحارات، لا سيما عندما نرى أطفال صغار يتسولون ويعرضون حياتهم للخطر، في الوقت الذي يجب أن يكونوا فيه على مقاعد الدراسة كما بقية الأقران، كما أن معالجة الظاهرة تتطلب وقتاً طويلاً ولن يكون الأمر بهذه السهولة، خاصة مع وجود أشخاص يمتهنون التسول وتعودوا على الكسب المادي والاستسهال في تحصيل هذا الكسب اليومي دون عناء يذكر، إضافة إلى غياب القوانين التي تمنع التسرب من المدارس، فمشكلة التسرب باتت أيضاً في تزايد والأطفال المتسولين هم بالأصل متسربي مدارس، وهذا يفاقم خطورة الوضع ويجب البحث في الأسباب، وقيام الجهات التربوية بدورها في هذا الشأن عبر متابعة تطبيق قوانين التعليم الالزامي ومعالجة التسرب، الذي بدوره يعد من المشكلات المجتمعية الخطيرة التي تهدد مستقبل الأجيال بشكل عام، مع التطلع لانتشال الأطفال من التسول وتعليمهم أنشطة مختلفة، أو تأهيلهم وتدريبهم لتعلم مهنة مناسبة يستطيعون من خلالها أن يكسبوا دخلاً مادياً يساعدهم في حياتهم بدل أن يكونوا متسولين في الشوارع وعلى الأرصفة هنا وهناك.

آخر الأخبار
وفد  "كوفيكس" الصينية يبحث سبل التعاون مع غرفة تجارة وصناعة درعا استراتيجيات القطاعات الاقتصادية في عهدة هيئة التخطيط والإحصاء  خبير قانوني : الاعتداءات الإسرائيلية خرق للقانون الدولي المهارة تنمي شخصية الأطفال وترتقي بهم  في تطورات تعرفة الكهرباء.. مقترحات لجمعية حماية المستهلك تراعي القدرة الشرائية ما أسباب التحول الخطير في النظام النووي الدولي؟ اعتراف سوريا بـ كوسوفو... بين الرد الصربي وحق تقرير المصير الشتاء أفضل من أي وقت آخر لمعالجة الأشجار المثمرة الشيباني: الشرع يزور واشنطن وسوريا ماضية بخطا واثقة نحو ترسيخ الاستقرار تلميحات أميركية لاتفاق نووي سلمي سعودي-أميركي بلاغات الاختطاف في سوريا.. الواقع يدحض الشائعات "الداخلية" تستعرض ما توصلت إليه لجنة التحقيق عن حالات خطف في الساحل "الزراعة" تزرع الأمل.. مشروع الغراس المثمرة يدعم التنمية الريفية "دير الزور 2040" خطة طموحة لتنمية المحافظة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية الشيباني يبحث مع نظيره البحريني تعزيز العلاقات وآفاق التعاون المتسول من الحاجة إلى الإنتاج جلسة خاصة حول إعادة إعمار سوريا ضمن أعمال "الكومسيك" في إسطنبول  الدواء والمستشفيات محور شراكة سورية ليبية مرتقبة التحولات الإيجابية في سوريا تقلق الاحتلال وتدفعه للتوغل في أراضيها الأسباب والتحديات وراء الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا