الثورة – حسان كنجو:
يبدو أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بعيد اعتراف سوريا بسيادة كوسوفو، خاصة بما يخص اتهام الدولة السورية بالتبعية للمحور التركي، تعكس بشكل أو بآخر التوتر الحاصل بين تركيا وصربيا في البلقان، فضلاً لرسمه صورة أوضح للعلاقات الثنائية بين دمشق وبلغراد، خاصة مع امتداح الرئيس الصربي النظام البائد ورأسه الساقط بشار الأسد المخلوع، واعتبار أن “نهج سوريا كان حراً فترة حكمه”.
ومع اعتراف سوريا بسيادة كوسوفو، ارتفع عدد الدول المعترفة باستقلال الإقليم إلى 110 دول من بينها 20 دولة تقع ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي إضافة للولايات المتحدة، فضلاً عن دول ضمن مجموعة العشرين من بينها تركيا وإسبانيا وغيرها، فيما لا تزال روسيا محتفظة بموقفها المؤيد للصرب. مع رأي الغالبية الأوروبية ودعمها استقلال كوسوفو والاعتراف بسيادتها، خاصة وأن قوات الناتو هي من أجبرت القوات الصربية على الانسحاب ضمن عملية سندان نوبل سنة 1999، جاء اعتراف سوريا كدلالة سياسية ودبلوماسية عميقة، إذ يُظهر أن سوريا الجديدة تتجه نحو سياسة خارجية أكثر انفتاحاً ومرونة وفقاً للمحلل السياسي فراس حاج يحيى، والذي أشار إلى أن هذه الخطوة، تدل على أن سوريا بنهجها الجديد، تضع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها فوق الاصطفافات الإيديولوجية القديمة.
وأضاف أن الاعتراف يعزز صورة سوريا كدولةٍ فاعلة ومسؤولة، كما يعيد تموضع السياسة السورية، ضمن الشرعية والنظام الدولي، ويؤكد خروجها من الإرث السابق الذي كان رهينة للمحاور والصراعات الإقليمية.
علاقة حذرة رغم الدعم
رغم أن النظام البائد ثبت على مواقفه الداعمة لصربيا، وأيد مواقفها الداعية لاستعادة كوسوفو واعتبارها جزءاً من أراضيها، وهو ما تم تأكيده في لقاء جمع الأسد الفار مع وزير الخارجية الصربي آنذاك فوك يريميتش سنة 2009 في دمشق، والذي أكد فيه أن سوريا “ترفض الاعتراف بكوسوفو” وتدعو إلى حلٍّ سياسي للأزمة في المنطقة”، إلا أن العلاقة بين صربيا والنظام المخلوع كانت علاقة حذرة. وبحسب حاج يحيى، فإن العلاقة بين نظام بشار الأسد وصربيا كانت رمزية أكثر منها استراتيجية، واستندت إلى تقارب سياسي مصدره الموروث السوفييتي القديم بدون أي مصالح حقيقية، وأن بلغراد كانت حذرة في علاقتها مع دمشق، إذ لم تقدم دعماً فعلياً لنظام الأسد الساقط، بل اكتفت بالمواقف الدبلوماسية العامة.
اليوم، ومع التحولات الجارية في سوريا، تسعى بلغراد إلى إعادة صياغة علاقاتها على أساس المصالح الواقعية، خصوصاً في مجالات الاستثمار وإعادة الإعمار والتبادل الأكاديمي، وتقدم هذه العلاقات بين البلدين سوف يتأثر بلا شك، باعتراف الدولة السورية بجمهورية كوسوفو. التصريحات التي أدلى بها الرئيس الصربي، ما هي إلا جزء من قلق الصرب أكثر مما هو عليه الواقع في الحقيقة، حيث يحاول الرئيس الصربي، توظيف الملف السوري في إطار التنافس بين بلاده وتركيا في البلقان، خاصة بعد تصاعد النفوذ التركي في كوسوفو والبوسنة.
الواقع يقول اليوم، أن سوريا لا تخضع لأي محور، بل تحاول انتهاج سياسة خارجية متوازنة، تُقيم علاقات مع أنقرة وموسكو وواشنطن في آنٍ واحد بما يخدم مصالحها الوطنية وفقاً لـ حاج يحيى، لقد جاءت تصريحات الرئيس الصربي لتكشف انزعاج بلغراد من التقارب السوري – التركي، وهي أقرب إلى رسالة داخلية موجهة لجمهوره من كونها موقفاً دبلوماسياً رسمياً”.
طائفية أم دعم تقرير المصير
وعن النهج الذي اتبعته الحكومة السورية عند الاعتراف بسيادة كوسوفو، أكد حاج يحيى أن الاعتراف السوري بكوسوفو ليس ذا طابع ديني على الإطلاق، بل هو قرار سياسي سيادي يستند إلى مبادئ العدالة الدولية وحق تقرير المصير، مشيراً إلى أن سوريا لم تُقدم على الاعتراف لأنها دولة مسلمة أو تضامناً مع أغلبية كوسوفو المسلمة فقط، بل لأنها تؤمن بضرورة تجاوز المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية.
وأكد أن الاعتراف أيضاً يعكس انسجاماً مع السياسة الأوروبية الجديدة، التي تتجه نحو دعم مسارات السلام والاستقرار في البلقان، وهو مؤشر على رغبة سوريا في فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فضلاً عن أنه رسالة ضمنية للمجتمع الدولي مفادها: “دمشق الجديدة قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة، مبنية على رؤية استراتيجية لا على حسابات أيديولوجية ضيقة”.