الثورة- منذر عيد:
تزايدت تصريحات المسؤولين الأوروبيين مؤخراً بخصوص إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم على اعتبار أنّ الحرب انتهت، ليضاف إليها اليوم تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ما يؤشر إلى تغير نوعي في الخطاب الأوروبي تجاه سوريا، بعد سنوات من السياسات العدائية التي لم تؤت ثمارها على مدى سنوات، ليشكل الاعتراف الغربي بانتهاء الحرب واستعادة الاستقرار خطوة تمهيدية نحو عودة العلاقات الطبيعية مع دمشق، وإعادة بناء جسور التعاون في مجالات إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين.
منذ عام 2015، كانت ألمانيا في طليعة الدول الأوروبية التي فتحت أبوابها للاجئين السوريين، وأقامت منظومة حماية قانونية وإنسانية لهم، مستندة إلى الموقف الأخلاقي الذي عبّرت عنه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بشعارها الشهير: “نستطيع أن نفعل ذلك”.
غير أنّ تصريح ميرتس اليوم يعكس انعطافة سياسية واضحة في الخطاب الرسمي، إذ يتبنى مقاربة ترى أن مرحلة “اللجوء لأسباب الحرب” قد انتهت، وأنّ على السوريين أن يتحملوا مسؤولية إعادة بناء بلادهم، وذلك حين قال خلال زيارته مدينة هوسوم في شمال ألمانيا، إنّه «لم يعد هناك أيّ سبب لطلب اللجوء في ألمانيا»، معتبراً أنّه بات من الممكن البدء بعمليات إعادة السوريين إلى بلادهم”.
الباحث والأكاديمي والخبير التكنولوجي وعضو إدارة التجمع السوري في ألمانيا الدكتور نضال ظريفة قال في تصريح خاص لـ”الثورة”: أعتقد أن هذه المواقف والتصريحات أبعد ما يكون عن تقييم الوضع الأمني والمعاشي في سوريا، كما هو الحال مع معظم مواقف الساسة في الدول الديمقراطية، ينبع موقف المستشار من منطلق سياسي داخلي بحت”.
وأوضح الدكتور ظريفة أن الوسطية تتقلص اليوم في الخارطة السياسية الألمانية، والاستقطاب السياسي يزداد يوماً بعد يوم في مزاج الشعب الألماني، فبينما يذهب البعض إلى أقصى حدود الليبرالية، تذهب نسبة معتبرة باتجاه اليمين أكثر فأكثر، هو ردود أفعال وتأثير متبادل يؤدي إلى هذا التنافر، منوهاً بأنه ومع هذا المزاج المتنامي نحو اليمين، والذي يطول شرح مسبباته، تنشأ ضغوطات الحسابات الانتخابية على حزب المستشار يمين الوسط، لسحب البساط من تحت حزب البديل اليمين المتطرف.
مشيراً إلى أن سحب البساط هذا غالباً يكون بتبني بعض خطابات وسياسات وشعارات ينادي بها حزب البديل لاجتذاب أصوات ناخبيه، خصوصاً مع انكفاء غالبية الألمان ذوي الأصول الأجنبية عن الإدلاء بأصواتهم وضعف تنظيمهم وإمكانياتهم في المساهمة في الخارطة السياسية الألمانية.
وتابع:” يمكن تعميم هذه الخارطة على كامل دول غرب أوروبا، إذ يلقى الملف تداولاً متزايداً، فتستعد دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة استئناف عمليات إعادة أو ترحيل بعض السوريين، خصوصاً من يشكلون خطراً أمنياً، أو من لديهم سجلات جنائية، مع وجود توجهات بشأن أن الظروف باتت تسمح بالترحيل القسري لفئات محددة رغم التحديات القانونية والإنسانية”.
وقال الدكتور ظريفة : “في هذا الأمر تبدو ألمانيا هي التي تقود القاطرة لسببين كلاهما ينطلق من الحقيقة التالية: عدد السوريين أصحاب ملفات اللجوء في ألمانيا أكبر من عددهم في كل الدول الأوروبية الأخرى مجتمعة، كما أن السوريين اليوم بمختلف أوضاعهم القانونية في ألمانيا (إقامة عمل، إقامة لجوء، جنسية ألمانية، ترحيل،..) يقارب عددهم المليون ونصف.
السبب الأول هو رغبة ألمانيا في استعادة دورها بشكل أكبر على المستوى الأوروبي من جهة، وفي مناطق تتجاوز الحدود الأوروبية، وتجد في سوريا بوابة فرصة حقيقية ومستحقة.
أما السبب الثاني والأكثر أهمية في إعطاء الملف السوري في الحكومة الألمانية هذه الأولوية الكبرى قناعتهم بأن غياب تحقيق السلم الأهلي في سوريا والاستقرار والازدهار سينعكس بشكل مباشر على الوضع المتأزم أصلاً في ألمانيا من نواحي سياسية واقتصادية، وسيخلق أعباء كبيرة على المستوى المحلي من ناحية الاستقرار الأهلي، ومن ناحية ورود موجات مستجدة من طلبات اللجوء”.
وأشار الدكتور ظريفة إلى نقطة مهمة وهي أن الحكومة الألمانية توقن، وكل من يطلع على الأرقام الاقتصادية الواقعية أن السوريين يلعبون دوراً مهماً في مختلف القطاعات الحيوية من طب وهندسة وبحث علمي وحتى في خدمات البريد وخدمات الحراسة والأمور اللوجيستية، لذلك ترى ألمانيا باعتقادي أنها بلعب دور حيوي وسبّاق في إعادة إعمار سوريا سيمكنها من تنظيم عودة بعض هذه الكوادر المتخصصة مع تقليص الهزات التي ستتعرض لها هذه القطاعات الحيوية بعودة مفاجئة للكوادر السورية المختلفة.
وختم الدكتور ظريفة:” بالعودة إلى تصريحات المستشار، أن التباين الذي بدأ يظهر داخل الحكومة الألمانية مردّه التفاوت في الغايات، المستشار الألماني نفسه يبذل جهده نحو إنجاز عددي في إعادة اللاجئين السوريين ليكون سلاحاً له في حملته الانتخابية القادمة، وذلك بالخطوة الأولى يبدأ بتنسيق رسمي مع الدولة السورية لنقل مئات مرتكبي الجرائم من ألمانيا إلى سوريا، بينما ترى بعض مكونات الحكومة الألمانية الأمر بشكل أكثر عملية وواقعية بحيث تحاول إدخال حسابات الواقع السوري وتحدياته في معادلة تشكيل المواقف بدلاً من البحث عن انتصارات حزبية ومواقف حملات انتخابية مستقبلية.