الطلاق.. ضحايا الأزمات الاقتصادية وزعزعة استقرار الأسر

الثورة – تحقيق: راما نسريني

انعكست الآثار السلبية خلال السنوات العشر الأخيرة التي عاشتها البلاد في ظروف قاسية وصعبة، على الفرد والمجتمع بغض النظر عن الدمار، إذ تغير فيها شكل العلاقات وأساليب التربية، وتداخلت العديد من العناصر لتشكل واقع المجتمع السوري اليوم، الذي بات تحت وطأة التفكك الأسري الذي ظهر جلياً بارتفاع نسبة الطلاق.

ورغم تعدد أسباب الطلاق، إلا أن أطراف الطلاق في كل مرة يحصرون المشكلة بين بعضهم البعض، دون التوصل لأسباب جوهرية حتمية أوصلتهم لمرحلة الانفصال، فيما أن المجتمع، الذي يفتقر بمعظمه لمفاهيم التكوين الأسري والأسرة، يؤثر على الجانب الآخر بعوامل عدة، على رأسها العامل الاقتصادي والظروف الاجتماعية والتقاليد الموروثة التي، بمعظمها لا ترحم كبيراً ولا صغيراً.

صور من الواقع

“تمنيت الطلاق منذ الأيام الأولى لزواجي، لكن ذلك لم يكن ممكنناً في ظل المحيط الذي نشأت فيه”، تؤكد زينب صادق البالغة من العمر 55 عاماً لـصحيفة الثورة، أنها لم تختر شريك حياتها بنفسها، إنما كان اختيار الأهل، الذين قرروا عنها أنه شخص مناسب على كل الصعد، ولانعدام فرصة الرفض في مجتمعها، تم الزواج وعاشت معه أكثر من عشرين عاماً تمنّت خلالها الطلاق يومياً، ولكن ذلك لم يكن متاحاً بالنسبة لعائلتها، فالعرف لدى عائلتها، رغم تراجع هذا المفهوم على الصعيد العام، يقول دائماً: “المرأة بيتها قبرها” على حد وصفها.

وتابعت: “استطعت بعد الخروج من سوريا مع عائلتي، الحصول على عمل يؤمن لي دخلاً ثابتاً كل شهر، علاوة على الخروج من دائرة محيطي المتشددة والرافضة تماماً لفكرة الطلاق، الأمر الذي جعلني أتخذ قراراً مؤجلاً منذ سنين، وعلى الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها، إلا أنني اتخذت قراري بالانفصال، ولست نادمة عليه أبداً”.

مشيرةً إلى أن سلب حرية الاختيار من المرأة تجعلها غير قادرة على العطاء، وغير قادرة على خلق جو أسري سليم، ينشأ من خلاله جيل سويّ نفسياً، قادر على بناء المجتمع وتطويره.

بدروه أوضح نزار عبد الجواد في حديثه لـ “الثورة”، أنه في السنوات الأخيرة ونتيجة الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد، تراجع عمله بشكل كبير، ما أدى لتدهور حالته المادية، الأمر الذي اضطره لتقليص بعض رفاهيات العائلة والاكتفاء بالحد الأدنى من الأساسيات، ومن هنا بدأت المشاكل بينه وبين زوجته على حد تعبيره.

وتابع: ” كانت صدمتي كبيرة في توتر العلاقة بيني وبين زوجتي، التي تخيلت أن أساساتها أقوى من كل الظروف”، مؤكداً أنه حاول جاهداً استرضاء زوجته ولمّ شمل العائلة التي تضم طفلين تحت سن العاشرة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وانتهى الزواج بعد أكثر من سنة ونصف في المحاكم الشرعية، للتفاوض على حقوق الزوجة، التي أصرت على المطالبة بها كاملةً.

تغيرات في بنية المجتمع

للوقوف على حيثيات الأمر تواصلت صحيفة الثورة، مع المحامي عدنان حاج علي المتخصص في المحاكم الشرعية بحلب، والذي من خلال سنوات خبرته الطويلة التي تتجاوز الـ 20 سنة في هذا المجال، أكد أن السنوات العشر الماضية شهدت ازدياداً كبيراً في حالات الطلاق في المدينة، وأرجع ذلك لعدة أسباب:

يأتي على رأسها حالة التهجير والنزوح، التي عاشها المواطنون والتي كان لها دور كبير، في التأثير على الحالة النفسية والمادية للعديد من الأسر، الأمر الذي خلق جواً مليئاً بالمشاحنات والنزاعات بين الزوجين، والذي في أغلب الحالات وصل لقرار الانفصال النهائي.

وتابع: “في عام 2019 تم تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، وفقاً للقانون رقم 4 الذي كان يهدف لتحسين وضع المرأة من جوانب عديدة، أهمها إعطاء الحق للزوجة بطلب تعديل المهر وفقاً للقوة الشرائية، وفرق أسعار الذهب، إلا أن القانون لم يحدد نسبة معينة، ما جعل الأمر يعود للقاضي وسلطته التقديرية، الذي بدوره يقوم بإرسال إحالة لجمعية الصاغة لمعرفة سعر الذهب وقت عقد القران، ومقاربته مع الوقت الحالي، وإحالة ذلك للبنك المركزي لمعرفة أسعار الصرف في ذلك الوقت، ثم يقارن القاضي مهر مثيلات الزوجة من الأقارب، وبعد كل تلك العملية يتم إقرار المهر الجديد.

هذا التعديل جعل القانون يخلق مشاكل كبرى بين الزوجين بدلاً من المساهمة في زيادة الاستقرار العائلي، لقد أصبح هو بحد ذاته أحد أهم المشاكل التي تفتح أبواب المحاكم على مصراعيها لتنتهي في أغلب الأحيان بالطلاق.

مواقع التواصل الاجتماعي

واعتبر حاج علي أن الانفتاح الذي يشهده العالم اليوم قد انعكس سلباً على خصوصية الأسر، إذ أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار تفاصيل الزوجين على الملأ، الأمر الذي أشعل نار الغيرة بين الزوجات، وفتح باب المقارنات بين الأزواج.

فاليوم رواد وسائل التواصل الاجتماعي يشاركون الجانب المشرق فقط من حياتهم، من دون التطرق للمشاكل والصعوبات التي تواجههم، فالمُتابِعة تَشعر أن زوجها هو الأسوأ على الإطلاق، وأنها وحدها من تعاني من مشاكل زوجية وروتين الحياة اليومية، فيبدأ شعور البرود يتملكها، وتتسع مع الأيام الفجوة بينها وبين زوجها.

كذلك الأمر بالنسبة للرجل الذي لا يرى سوى الصورة المثالية التي صورتها المواقع، والتي لا وجود لها على أرض الواقع، فمشاهد البيوت المرتبة على مدار الساعة، والأطفال بأبهى حلة والزوجة المبتسمة على الدوام، ساهمت في زيادة نفور الزوج من زوجته وبيته وأولاده، فيصاب البيت بحالة تسمى بالخرس الزوجي، غالباً ما ينتهي بالانفصال.

وتابع: “سنة 2024 صدرت إحصائية كشفت تساوياً في حالات الزواج والطلاق، هذه الأرقام مرعبة وتنم عن فجوة كبيرة بين الأزواج وخلل كبير في المجتمع”، مشيراً إلى أن حالات الانفصال – التي كان شاهداً عليها خلال سنوات عمله – تنوعت في الأعمار والمستوى الاجتماعي والثقافي، فلا يمكن القول اليوم: إن حالات الطلاق قد انحصرت في فئة معينة أو مستوى تعليمي أو عمري معين، وهذا مؤشر خطير يحتاج منا لوقفة حقيقية وخطوات عملية جادة للحفاظ على النسيج الاجتماعي على حد تعبيره.

دُور تأهيل للزواج

وبين حاج علي لـ “الثورة” أن الحل الأمثل للحد من ظاهرة الطلاق، يكمن في العمل على تأسيس أسرة سليمة قبيل الزواج، وذلك عبر إنشاء مراكز لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج، بحيث يخضع الزوجان لدورة تدريبية لمدة لا تقل عن شهر، تشمل دورات تأهيل نفسي ومحاضرات توعوية عن مرحلة الزواج وتربية الأطفال وما إلى ذلك، وتكون تلك الدورة إلزامية لإتمام عقد الزواج.

وتابع أنه وحسب القانون بعد اكتمال الخصومة في دعاوى التفريق يُجبر القاضي بإلزام الطرفين شهراً كاملاً أملاً للصلح، وبدلاً من تحول هذه المدة لإجراء روتيني لا أكثر ولا أقل، وفي حال كان هناك وجود لدور إعادة التأهيل، فتُحول القضية للدار للنظر فيها، ومحاولة الصلح بين الطرفين، وتقريب وجهات النظر، في محاولة لإنقاذ تلك الزيجة من نهاية حتمية، وفقاً لرأيه.

الجانب الاجتماعي

وعن الأسباب الاجتماعية التي تقف خلف هذه الظاهرة، تواصلت صحيفة الثورة مع الاختصاصية الاجتماعية نهى دالاتي، التي أكدت بدورها أن هناك العديد من حالات الطلاق مرتبطة بالحالة الاقتصادية للأسر، وخاصة التي تعاني من فقر شديد، الذي يخلق جواً مليئاً بالمشاحنات التي قد تفضي للطلاق.

وتابعت دالاتي أن بعض العادات الاجتماعية، المتمثلة بزواج القاصرات وزواج الأقارب على سبيل المثال، قد تشكل صعوبات وتحديات كبيرة للأزواج، وفي كثير من الأحيان تساهم في إنهاء مسيرة زواجهم بشكل كامل، مشيرةً إلى أن المعوقات الاجتماعية التي تفرض بعض القيود على المقبلين على الزواج، كالأعراف والتقاليد المتعلقة بالزواج من نفس المستوى الاجتماعي والمادي والثقافي، والتي تحول دون حرية الفرد في اختيار شريك حياته، تزيد أيضاً من احتمالية الطلاق في المستقبل.

وأضافت: “نحتاج لرفع مستوى وعي الفرد بذاته ومعرفة رغباته وأولوياته التي على أساسها يقوم باختيار شريك حياته”.

وتابعت: إن توضيح السن القانوني للزواج للذكر والأنثى على حد سواء والالتزام به، يساهم في خلق قواعد وأسس سليمة لأسرة صالحة في المجتمع، منوهةً بأهمية رفع الوعي الذاتي للفرد عبر مكاتب أسرية، تُعنى بالشباب في مرحلة ما قبل الزواج، وذلك عبر تأهيلهم لتلك المرحلة المختلفة من حياتهم، وتدريبهم على تقبل اختلاف الطرف الآخر، والتعايش مع الفروقات الاجتماعية أو الثقافية، ومحاولة تقارب المستوى الفكري والاجتماعي بين الطرفين، الذي سيساهم كثيراً في تقليص حالات الطلاق وفقاً لرأيها.

الأسرة تبحث عن التوازن

إنّ ما نعيشه اليوم من تحوّلات اقتصادية واجتماعية متسارعة، ترك بصمته الواضحة على ملامح الأسرة السورية، التي كانت عبر عقود طويلة تمثل الخلية المتماسكة الأولى في بناء المجتمع.

فالأزمة الممتدة، وما رافقها من ضغوط معيشية ونفسية، غيّرت بنية العلاقات داخل البيت الواحد، وأفرزت مشهداً اجتماعياً جديداً تتقاطع فيه التحديات اليومية مع القيم المتوارثة، ليجد الأفراد أنفسهم أمام معادلة صعبة بين الرغبة في الاستقرار والعجز عن تحقيقه.

وقد أظهرت الحالات المتزايدة من الطلاق – حسب المحامي خليل صالحة- خلال السنوات الأخيرة، أن المسألة لم تعد محصورة في الأسباب المادية فحسب، بل تجاوزتها إلى عمق البنية الفكرية والنفسية للأزواج، وإلى ضعف الوعي الأسري، وغياب ثقافة الحوار والتفاهم، فحين تتراجع لغة التواصل بين الشريكين، وتتغلب النظرة المادية على روح الشراكة، يصبح الانفصال نتيجة منطقية لمقدمات تراكمت بصمت، حتى تحولت إلى قرار لا عودة عنه.

آخر الأخبار
تقرير مدلس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين "إيغور" إلى الصين محافظ السويداء يؤكد أنه لا صحة للشائعات المثيرة لقلق الأهالي  بدورته التاسعة عشرة.. سوريا تشارك في معرض دبي للطيران أحداث الساحل والسويداء أمام القضاء.. المحاكمات العلنية ترسم ملامح العدالة السورية الجديدة وزمن القمع... الاقتصاد في مواجهة "اختبار حقيقي" سوريا وقطر.. شراكة جديدة في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة الرقابة كمدخل للتنمية.. كيف تستفيد دم... إعادة دراسة تعرفة النقل.. فرصة لتخفيف الأعباء أم مجرد وعود؟ منشآت صناعية "تحت الضغط" بعد ارتفاع التكاليف وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة