رياضة المتقاعدين في حلب.. صداقات وشفاء من الوحدة والاكتئاب

الثورة – تحقيق راما نسريني :

مع بزوغ شمس النهار، ومع ساعات الفجر الأولى اعتاد البعض على ممارسة الرياضة الصباحية، في الحدائق الكبرى في مدينة حلب كحديقة السبيل والحديقة العامة،

ومع الوقت بدأت تنشأ بينهم روابط الصداقة والمحبة على الرغم من عدم وجود معرفة سابقة تربطهم.

ثم بدأت تجمعاتهم تأخذ شكلاً منظماً أكثر وتطورت لتشبه نادياً رياضياً في الهواء الطلق، يجتمع فيه الراغبون في ممارسة الرياضة في جو مليء بالحيوية والنشاط.

منذ عشرين عاماً

” لطالما كانت الرياضة هي متنفسي الوحيد.. ورياضتي المفضلة هي المشي”.. هدى جزماتي، ذات الـ60 عاماً، عبّرت لصحيفة الثورة عن مدى حبها لرياضة الصباح، وأنها لم تتخل عن تلك العادة منذ عشرين سنة، فهي تستيقظ كل يوم في السابعة صباحاً، وتقصد حديقة السبيل لتمضي ساعتين من الصباح في ربوع الطبيعة.

وأوضحتْ: “ساعدتني الرياضة على الإقلاع عن التدخين، فكانت الطبيعية هي متنفسي الأول ومصدر سكينتي وهدوئي، ساعدتني على التخفيف من التوتر والضغط النفسي، فلم أعد بحاجة للسيجارة، وأصبح لي العديد من الأصدقاء، جمعنا حب الحياة”.

خليل درويش موظف متقاعد، قال لـ “الثورة” إنه من خلال زيارته الصباحية للحديقة العامة في حلب، تمكن من تكوين العديد من الصداقات، الأمر الذي ساهم في تقليص حجم شعوره بالوحدة والملل بعد التقاعد، مشيراً إلى أن الإنسان يُصاب بحالة من اليأس والإحباط مع اقتراب سن المعاش، وذلك لشعوره بالفراغ والملل الشديدين.

وتابع مؤكداً أن العمل يمنح الإنسان طاقة إيجابية وحيوية لافتة حتى وإن كان مُتعِباً، فشعور الفرد بالإنتاجية يضاعف شعوره بأهميته في المجتمع ككل، وهذا واحد من أكبر التحديات التي يعاني منها المتقاعدون، ويعود ذلك لإحساسهم بأن دورهم قد انتهى وأنه لا أهمية لوجودهم على الإطلاق، فالأولاد منغمسون في عملهم وحياتهم الخاصة، ولم يعد هناك عمل يتيح للمتقاعد أن يقضي ساعات يومه الطويلة المملة، فيبدأ إحساسه بالعجز والكسل، وقد تصل الأمور لحد أمراض نفسية خطيرة، كالاكتئاب، على حد تعبيره.

وأشار درويش إلى أن تلك التجمعات لها أهمية واسعة، فهي تجمع في طياتها الكثير من الفوائد على الصعيدين النفسي والجسدي، فممارسة التمارين في المساحات الخضراء الواسعة تمنح الإنسان شعوراً بالراحة والهدوء، وتعيد تنشيط الدورة الدموية في جسمه أيضاً، علاوة على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية تساهم في كسر حالة الملل والروتين والوحدة التي يعيشها الفرد بعد التقاعد من العمل.

ناد في الهواء الطلق

شاركت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي لقطات لمجموعة من الأفراد، وهم يمارسون تمارين الرياضة الجماعية في حديقة السبيل في مدينة حلب، أثار الفيديو إعجاب الآلاف من الناس الذين شدّدوا على أن مشاهد كهذه تضفي البهجة والسكينة على مدينة حلب، وتمنح الجميع طاقة إيجابية لبدء يومهم بنشاط مماثل للظاهرين في الفيديو.

على صعيد متصل لفت بعض المتابعين إلى قلة الاهتمام بالرياضة في المدينة، وقلة الأماكن المخصصة لتلك النشاطات، كالحدائق والملاعب، مشيرين إلى أن النوادي الخاصة قد لامس اشتراكها الشهري عنان السماء، ولم تعد في مقدرة المواطن العادي، ودخلت في قائمة الرفاهيات على الرغم من أهمية الرياضة على الصحة النفسية والجسدية على حد سواء، مشدّدين على أهمية وجود أجهزة رياضية مجانية في الحدائق، ومساحات خضراء واسعة أكثر للتشجيع على العودة للرياضة من جديد.

بعض النقص لم يكن عائقاً أمام رواد الحدائق، فحب الحياة والتوق لممارسة التمارين الصباحية قد جعلهم يُشكلون ما يشبه النادي الخاص المفتوح في الهواء الطلق، يتجمعون يومياً في الصباح الباكر في حديقة السبيل، وعلى أنغام الموسيقا يقومون ببعض التمارين البسيطة التي تمنح أجسادهم ما يكفي من المرونة واللياقة، وتشحن أرواحهم بطاقة إيجابية تبدو واضحة على معالم وجوههم التي تشع بشاشة وصفاء.

على الصعيدين النفسي والجسدي

في حديثه لـ “الثورة”، أكد الطبيب رائد أخرس أن الرياضة اليوم لم تعد من الرفاهيات أو الكماليات بل هي ضرورة شديدة، وخاصة بعد الخمسين من عمر الإنسان، إذ تساعد على خفض الكوليسترول الضار في الدم، ولها دور كبير وتأثير هام على زيادة الكثافة العظمية.

وأشار لأهمية الرياضة للمحافظة على الكتلة العضلية والحفاظ على صحة المفاصل والأربطة، وأن أهميتها لم تقتصر على الجانب الجسدي فحسب، بل تساعد على تحسين المزاج وتقلل من شعور الاكتئاب.

وتابع قائلاً: ” أثبتت الدراسات الإحصائية، انخفاض احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة في حال ممارسة الرياضة بشكل منتظم” مؤكداً أن الرياضة تساهم في السيطرة على الأمراض المزمنة في حال وجودها كالسكر والضغط والكوليسترول، على سبيل المثال، وتساعد بشكل كبير على الإبقاء على معدلاتها في الحدود الطبيعية، ما يساهم بشكل كبير في السيطرة على المرض.

وأشار أخرس إلى أن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق أفضل بكثير من النوادي، وذلك يعود لاحتياج الجسم للأوكسجين النقي في أثناء التمارين، الأمر الذي توفره الحدائق المفتوحة، على عكس النوادي التي قد تعرض الإنسان لخطر الإصابة بالأمراض التنفسية المعدية ضمن الصالات الرياضية.

مساحات خضراء أكثر

مصدر بمحافظة حلب حدّثنا عن الاتفاقية التي أبرمتها المحافظة مع محافظة غازي عنتاب في أيار الماضي، وهي اتفاقية توءمة لتعزيز التعاون في مجالات التنمية المحلية وتبادل الخبرات في التخطيط العمراني والإدارة الخدمية، وتهدف أيضاً لتنفيذ مشاريع مشتركة لإعادة تأهيل البنية التحتية، ولا سيما للشوارع والحدائق.

وفي إطار الاتفاقية شهدت مدينة حلب الأسبوع الماضي زيارة لوفد تركي، ضم العديد من الشخصيات البارزة، وكان في مقدمتهم رئيس بلدية غازي عنتاب فاطمة شاهين، وذلك لتفعيل بنود الاتفاقية.

بدوره أكد محافظ مدينة حلب عزام غريب أن المدينة ستشهد في الأشهر والأسابيع القادمة تطبيقاً عملياً لتفعيل بنود الاتفاقية في عدة مرافق، وخاصة في الحديقة العامة.

آخر الأخبار
تعليق "قيصر".. اختبار لجديّة الإصلاح الاقتصادي والقدرة على استعادة التوازن النقدي من "البيت الأبيض" إلى "الداوننغ ستريت".. الشيباني يحمل الحقيبة "الأثقل" إلى بريطانيا زيارة الشرع للولايات المتّحدة تمثّل بداية جديدة للسوريين عندما يتوقف التاريخ في استثمار البيئة الجبلية والبحرية.. وتهجر الكوادر رئيس غرفة الملاحة البحرية للثورة: الساحل عقدة تلاقٍ بريّ- بحريّ نحو اقتصادٍ أزرق وتنمية متوازنة: اللاذقية وطرطوس.. بوابتان لنهضةٍ بحرية رؤساء في العلاقات الخارجية بالشيوخ الأميركي يدعمون رفع العقوبات عن سوريا طلاب "المهني" في حلب يجهزون مقاعد مدارسهم بين الدولار والتجار.. كيف يواجه المواطن تحديات المعيشة؟ زيارة إلى المملكة المتحدة.. الشيباني يحمل حقيبة ثقيلة في اللقاء السوري-البريطاني المطالعة.. بين الحاجة والرفاهية أصوات الباعة الجوالين بحلب.. بين الحاجة والإزعاج المتقاعدون ورحلة البحث عن عمل بازار الشتاء.. منصة تمكين اقتصادي واجتماعي للمرأة السورية عندما يختفي اللقب الوظيفي.. رحلة البحث عن الهوية بعد التقاعد رياضة المتقاعدين في حلب.. صداقات وشفاء من الوحدة والاكتئاب بين " قيصر" والعملة الجديدة.. خطوة سياسية أولاً.. وفرصة اقتصادية ثانياً اكتمال مشهد الدور الثاني من مونديال الناشئين الجمعة.. البطولة الكروية حلب (ست الكل) الصمت العنوان الأبرز لنادي الكرامة ؟!