الثورة – رولا عيسى:
عقب تعليق تطبيق قانون “قيصر” والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، تتجه الأنظار إلى أبرز خطوة مالية في هذه المرحلة الانتقالية، وهي إطلاق العملة الجديدة، فبينما يرى البعض أنها خطوة سياسية رمزية تهدف إلى فتح صفحة جديدة بعد سقوط النظام المخلوع، يعتبرها آخرون بداية لمرحلة نقدية جديدة يمكن أن تعيد الثقة إلى السوق وتفتح الباب أمام استقرار اقتصادي أوسع.

أبعاد الخطوة
وفي هذا السياق، يقدم الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المنعم الحلبي رؤية شاملة حول أبعاد هذه الخطوة، منطلقاً من تحليل سياسي واقتصادي متكامل، يربط بين تعليق العقوبات، ودور الإعلام والمصرف المركزي في تحويل الإصدار الجديد من حدث رمزي إلى مشروع وطني جامع.
يقول الدكتور الحلبي: “إطلاق العملة الجديدة هو خطوة سياسية بالدرجة الأولى، مرتبطة بضرورة التخلي عن العملة السابقة، بسبب ارتباطها الرمزي بالنظام المخلوع، والتي بدأت عملية التخلي عنها أصلاً منذ عام 2015 في إدلب.”
وأوضح أن هذا التحول “أمر طبيعي، بشرط الحفاظ على حيادية العملة الجديدة في إطار المرحلة الانتقالية، وعدم تشميلها برموز وصور ذات إشارات سياسية أو ما شابه، مضيفاً أن هذا ما أكد عليه حاكم مصرف سوريا المركزي، ونحن بانتظار الوفاء بذلك.”

مبررات اقتصادية
وأضاف الحلبي أن المبررات الاقتصادية تأتي في المرتبة الثانية، موضحاً أنه “نتحدث هنا عن تسهيل عمليات الدفع الجارية بالنسبة للمواطنين، في ظل سيطرة الدفع النقدي (الكاش) على المعاملات، وصعوبة تحقيق تقدم نوعي في رقمنة المدفوعات عن العمليات الجارية.”
وتابع قائلاً: “إضافة طبعاً إلى الأثر النفسي لليرة السورية الجديدة، والتي يتوجب على مصرف سورية المركزي والحكومة الانتقالية دعمها للتمكن من إقناع المواطنين السوريين باعتمادها في الإدارة، الأمر الذي يمكن أن يكون فرصة حقيقية لاستقرار قيمتها الحقيقية، ومنح فرصة أقوى لها في المستقبل لمواجهة التضخم وتفعيل أدوات السياسة النقدية، في ظل دوران عجلة الإنتاج طبعاً”.
أما عن دور الإعلام والمصرف المركزي في هذه المرحلة، فيرى الحلبي أن “المطلوب هو إقناع المواطن السوري بأن المركزي والحكومة سيقومان بواجباتهما تجاه الليرة، وأن عليه مسؤولية استكمال المهمة والتعامل مع العملة الوطنية بكل ثقة، كمشروع ضامن للحفاظ على القيم الاقتصادية الحقيقية، الإنتاجية والأصول المتعلقة بالثروات”.
ويؤكد أن مسؤولية نجاح الليرة الجديدة هي مسؤولية جماعية ووطنية، وليست حكومية فقط.
آخر أيام “قيصر”
وفي سياق متصل، أشار الحلبي إلى أن تعليق عقوبات قيصر ستنعكس بصورة شاملة على الاقتصاد السوري ككل، موضحاً أن ذلك سيشمل القدرات الإنتاجية، ” إذ يتوقع التمكن من تخفيض تكاليف التحويل لكثير من المدخلات وسلاسل العمليات اللوجستية، وبالتالي تخفيض أسعار المنتجات السورية، بما يمكنها من منافسة أفضل في السوق السورية أو عبر التصدير”.
كما لفت إلى أن رفع العقوبات “سيعزز السياحة، ويوفر فرصة حقيقية لتحويل مذكرات التفاهم إلى استثمارات أجنبية حقيقية، وبالتالي زيادة الإيرادات من العملات الأجنبية ولا سيما الدولار، بما يسمح بتأمين موارد دولارية نحو استخدامها في تمويل الاستيراد الذي يتوجب ضبطه وفق الأولويات”.
ويرى الحلبي أن عودة المستثمرين السوريين من الخارج ستكون من أهم النتائج المتوقعة: “عودة هؤلاء ومعهم الخبرات والقدرات التي حققوها في الخارج وشبكات التسويق والتمويل التي عملوا عليها، ستفتح الباب أمام تحقيق معدل نمو حقيقي وبارز في المستقبل المنظور”.
ويختم الحلبي بالقول: ” قيمة الليرة السورية سترتبط بعوامل ومصالح متنوعة، وليس من الضرورة العمل على تثبيتها ورفعها في المستقبل، وإنما الضروري هو تطبيق نظام سعر صرف مرن متناسب مع المرحلة، مع استمرار إمكانية التدخل لحمايتها”.
ويخلص الخبير الاقتصادي إلى أن إطلاق العملة الجديدة يمثل لحظة فاصلة في المسار السياسي والاقتصادي السوري، لكنها لحظة محفوفة بالمسؤولية المشتركة بين الدولة والمجتمع.
فنجاح هذه العملة – كما يؤكد – لن يُقاس فقط بقيمتها النقدية، بل بقدرتها على استعادة الثقة الوطنية، وترسيخ الانتماء الاقتصادي والسياسي لسوريا الجديدة، لتكون عنواناً لمرحلة من الاستقرار والإنتاج والبناء بعد سنوات من الحصار والعقوبات.
