الثورة – صالح العويتي:
انطلقت الفنانة التشكيلية غروب الحموي، ابنة مدينة السلمية في محافظة حماة، نحو محافظة إدلب للمشاركة في معرض مشترك بعنوان “لوبان” أُقيم خلال الشهر الجاري، بمشاركة فنانين من عدة مدن سورية.

وعلى الرغم من اختلاف المكان في تشكيل وثقل موهبتها، كان حضور الإنسان في أعمالها هو الأساس الذي تنطلق منه، إذ تعيش غروب للمرة الأولى بعد التحرير تجربة الاحتكاك المباشر مع جمهور إدلب، الذي ترى فيه جزءاً لا يتجزأ من هويتها السورية الجامعة. وتقول إن ما لامسته من احتفاء ووعي تجاه قيمة أعمالها جعل لهذه المشاركة تجربة مختلفة، خصوصاً أن لوحاتها تحمل حكايا الثورة السورية، والمرأة، والتجارب الإنسانية التي مرّ بها السوريون خلال سنوات طويلة من المعاناة.
نشأت غروب في مدينة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة، وبدأت مسيرتها الفنية في الرسم على القماش لسنوات طويلة. ومع بداية انتشار وباء كورونا عام 2020، اتجهت نحو الحرق على الخشب، لتجد فيه مساحة تعبير جديدة تختلف عمّا سبقها. منذ ذلك الوقت شاركت في عدة معارض داخل محافظة حماة وخارجها، وبدأ اسمها يبرز بوصفها فنانة تعمل على خامة من نوع خاص تحمل رمزية كبيرة. تقول غروب: “أحببت فكرة الحرق على الخشب لأن فيه روح الأرض والتراب وأصالة الجذور. الخشب مادة حيّة تنبض بالحياة، ومن هذه المكونات أستطيع أن أخلق أفكاري وأطوّعها رغم صعوبة التعامل معها.” وترى أن الأعمال الفنية تصبح جزءاً من الفنان نفسه: “عندما تقدم عملاً من روحك الداخلية، يصبح قطعة أساسية منك. الحرق يترك أثراً دائماً على الخشب، كما تترك الإنسانية أثراً على النفس. لذلك اللوحة هي سجل دائم لذكرى أو شعور عميق من الصعب زواله.”
تجسّد غروب في معظم أعمالها روح الإنسان ومعاناته وظلال حياته النفسية والاجتماعية والعاطفية، تظهر في لوحاتها نماذج من الواقع اليومي، الأب، الأم، الطفل، العائلة، الشخصيات المتعبة والمنكسرة، وفي ذات الوقت الشخصيات النابضة بالحياة والحالمة.

عن لوحة “التواجد رغم كل شيء” تصفها غروب:”هي شهادة على الصمود في مواجهة آلة الدمار التي حاولت طمس الإنسان والذاكرة، كل انكسار في اللوحة يشبه البيوت والشوارع والأحلام التي تحطمت، النار التي دمّرت، استخدمتها لتوثيق ألم الحرق الدائم، ندوب لا تُمحى بسهولة كندوب الروح.”، وترى أن الألم لا يفرّق بين الجنسين، وكذلك الإرادة، وأن الخشب بروحه وأصالته يمثل رمزاً للحياة رغم ما ناله من حرق وتدمير.
كذلك تناولت غروب معاناة المرأة السورية في عدد من أعمالها، ومن أبرزها لوحة “انكسار وأمل “التي تقول عنها:”هي محاولة للتعبير عن صوت داخلي صامت، صوت كل امرأة سورية حملت وطأة الحرب والسجون وفقدان الحياة الخاصة خلال سنوات الثورة السورية. هي ليست مجرد لوحة، بل شهادة مرئية محفورة بالنار كما حفرت المعاناة في ذاكرتنا.” وتضيف: “رغم كل شيء، المرأة السورية لا تزال تنبض بالحياة والأمل… وهذا ما أردت التعبير عنه عبر الشقوق الصغيرة التي تُشبه شقوق الشمس”.
جسد وروح… رؤية في علاقة الرجل والمرأة، في معرضها “جسد وروح “الذي أقامته في السلمية عام 2021، تناولت غروب العلاقة العميقة بين الرجل والمرأة، بوصفهما امتداداً لروح واحدة وليسا كيانين متقابلين. عن لوحة “نشيد الروح على شاطئ الوجود” تقول: “الواقع يمتزج بالخيال، الموسيقا بالأمواج، النار بالصفاء. الرجل والمرأة ليسا منفصلين، بل وجهان لروح واحدة، وجه يخلق النشيد ووجه يتلقاه ليكمله.”
بمجرد التمعّن في أعمالها، تلاحظ الرمزية الواضحة في التعبير، على صعيد الوجوه والأشياء، والألوان التي تشكل هويتها البصرية الخاصة، لتعبّر عن أفكارها بسلاسة وحرية. وهذا ما تؤكد عليه بقولها: “في تفاصيل أعمالي، تشعر أن الحرق على الخشب كالنار التي تحرق الشوائب وتترك أثراً جميلاً. كل إنسان يحمل تناقضاته الفكرية، وهذا ما يميزنا، الفكر هو ثراء الروح.”

التحديات والمسؤولية
وفي الحديث عن أهم الصعوبات التي تواجه العمل في هذا الفن تؤكد غروب: “المواد مكلفة، والعمل مجهد ويحتاج الصبر مقارنة بفنون أخرى. نحن لا نعمل من أجل مردود مادي أولاً، بل نعيش التجربة بكل حواسنا، وهذا ليس سهلاً. على الفنان أن يتحمل هذه المسؤولية لنقل رسالته، وهنا يبرز دوره الحقيقي.” تعمل غروب إلى جانب كونها فنانة تشكيلية في إحدى روضات الأطفال في السلمية، وهي ناشطة في المجال الثقافي. وتحضّر اليوم لمعرض فني جديد تؤكد من خلاله حسب تعبيرها: “أنه رغم كل الانكسارات، لا نزال قادرين على إثبات وجودنا وهويتنا، تواجد الأمل في عدة مراحل من الحياة كان رسالة سامية وحكمة قوية، يجب البناء عليها مستقبلاً.”