الثورة – ميساء السليمان:
في عالمٍ يزدحم بالأصوات، تظلُّ الكلمة الصادقة مشرقة، وللقلم المبدع أثره الذي لا يُمحى.
من الحسكة إلى دير الزور، ومن قاعات التعليم إلى منابر الأدب، رسمت الأديبة رغداء ياسين العلي دربها الخاص، نسجت من الحلم قصيدة، ومن الوجع حكاية، لتصبح واحدة من أبرز القامات الأدبية السورية في القصة القصيرة جداً والشعر العمودي.
في هذا الحوار، تكشف العلي عن مسيرتها الأدبية، ورؤيتها للواقع الثقافي، وعلاقتها بالكتابة كملاذٍ يخفّف وجع الغربة ويعيد للروح توازنها.
– من التعليم إلى الأدب: كيف بدأت الحكاية؟
منذ الصغر كنت مولعة باللغة العربية، وجدت فيها هويةً وانتماءً وفضاءً رحباً للتعبير.

حصلت على إجازة في اللغة العربية ودبلوم تأهيل تربوي، وعملت في التعليم لسنوات طويلة، من تدريس العربية إلى الإشراف التربوي، حتى استقالتي.
لكن الأدب لم يكن مهنة بديلة، بل كان امتداداً لرسالتي في الحياة: تعليم الجمال، وبثّ القيم، وتكريس الكلمة الراقية في زمن الضجيج.
– متى شعرتِ أن القصة القصيرة جداً هي صوتك الأدبي الأقرب؟
القصة القصيرة جداً تمثّل نبض اللحظة وتكثيف المعنى، وقد وجدت فيها مساحة حقيقية للتعبير عن إنسانيتي.
بدأت تجربتي بمجموعتي “اغتراب الحنين” عام 2016، ثم “أحلام مؤجلة” عام 2018 التي قدّم لها الناقد المغربي عبد المجيد بطالي، وتلتها “بين روحين” الفائزة بالمركز الثالث في جائزة دمشق عام 2024.
كل عمل منها كان محطة للتطور واكتشاف الذات، ونافذة على قضايا الإنسان العربي ومعاناته.
– المرأة والكتابة: هل تجدين أن الأنثى تُسمع بما يكفي في المشهد الثقافي العربي؟
المرأة الكاتبة لا تحتاج إلى أن تُمنح صوتاً، لأن صوتها موجود أصلاً.
ما تحتاجه هو مساحة من الاحترام، للأسف، لا تزال بعض البيئات تنظر إلى الإبداع الأنثوي بعين الريبة، لكن في المقابل هناك جمهور واسع يقدّر الكلمة الصادقة، بغض النظر عن جنس صاحبها.
الكتابة عندي ليست ترفاً أنثوياً، بل موقف من الحياة.
– بين الشعر والسرد: كيف تتنقلين بين ضفاف القصة والقصيدة؟
الشعر هو أنفاسي، والقصة هي مرآة وجداني. أكتب الشعر العمودي بإحساسٍ يمزج بين الحنين والتمرد، وقد شاركت في دواوين جماعية منها “هذا العراق” و”الحلم العربي” و”ديوان الحكمة”، أما القصة القصيرة جداً فهي ابنة اللحظة، لحظة انفعال تلتقطها الذاكرة وتحوّلها إلى ومضة فكرية وإنسانية.
– أعمالك نالت اهتمام نقّاد عرب: كيف تنظرين إلى النقد؟
النقد الجادّ ضروري لتطور الكاتب، لأنه يضيء مكامن القوة والضعف في التجربة، أعتز بأن نصوصي دُرِست في كتب نقدية عربية مثل:”البنية والدلالة في الخطاب السردي” لعبد المجيد بطالي”نظرة من الداخل” لعلي غازي”الموسوعة العربية في القصة القصيرة جدًا” لعلاوة كوسا”أسماء لامعة في سماء المدينة” لعبد الزهرة عمار.. هذا الاهتمام يشكّل مسؤولية أكثر من كونه مجداً شخصياً.
– أسستِ مجموعة “جواهر الأدب” على فيسبوك: ماذا تمثل لك هذه المبادرة؟
تأسيس المجموعة عام 2015 كان بدافع جمع المواهب العربية في مساحة نقية للحوار والإبداع.
“جواهر الأدب” ليست مجرد صفحة، بل هي بيت أدبي مفتوح لكل قلم جادّ.. أؤمن أن على الأديب أن يمدّ يده للآخرين، لأن الكلمة لا تزدهر إلا في ضوء المشاركة.
– هل هناك مشاريع قادمة في الأفق الأدبي؟
نعم، أعمل حالياً على إصدار مجموعة قصص قصيرة جديدة، ومجموعة في فن القصة الومضة، بالإضافة إلى ديوان شعر عمودي يحمل مزيجاً من التجربة الذاتية والوجع الإنساني العام.
كل عمل جديد هو ولادة متجددة ومغامرة في عوالم الروح.
– ما الذي تمثله الكتابة اليوم لرغداء العلي؟
الكتابة بالنسبة لي ليست هواية، بل طريقتي في مقاومة الفقد والحنين.
بعد النزوح من دير الزور، كانت الكتابة سلاحي في وجه الغياب، كل نص أكتبه هو محاولة لترميم ما انكسر في داخلي وفي العالم من حولي.
– كلمة أخيرة؟
أقول لكل من يحمل قلماً: لا تكتب لتُرضي أحداً، اكتب لأنك تحمل رسالة، فالكلمة مسؤولية، ومن يزرعها بصدق لن يخسر أبداً.