الثورة – آنا عزيز الخضر :
المسرح الملتزم يحمل قدرة غير مسبوقة على تحويل الواقع إلى عمل فني ينبض بالحياة، ليُصبح بذلك وثيقة حيّة توثق الحقائق والوقائع التي تشكل جزءاً من تاريخنا الجماعي.

في هذا السياق، يُمكن للمسرح أن يصبح مرآة لمجتمعنا، خاصة إذا تمّ إنتاجه بشكل احترافي ومدروس ليعكس تجاربنا الحياتية. لا نبالغ إذا قلنا إن المسرح، بما يحتويه من حوار وحبكة وشخصيات وواقع مرير، يُمكنه أن يوثق ملامحنا وتجاربنا ” كسوريين”، بما تحمله من آلام وآمال، لا سيما في فترة أزماتنا الكبرى.
من بين الأعمال التي استطاعت أن تحاكي هذه المعاناة بكل صدق وعمق، كان عرض “قارب 22″، الذي قدَّمته فرقة “العراب للفنون المسرحية” بقيادة الكاتب والمخرج عصام علام.”قارب 22″ وثيقة مسرحية في حديثه لصحيفة الثورة، كشف عصام علام عن تفاصيل هذا العمل الذي يشكل شهادة حيّة على معاناة السوريين في رحلة الهجرة عبر البحر، في محاولة لالتحاقهم بعالم آخر بعيد عن الحرب والموت. قال علام: “لقد كان العمل بمشاركة سبعة ممثلين من الفرقة، وكل واحد منهم جسد هواجس السوريين الذين اضطروا للهرب من جحيم الحرب،

وكان المشهد الأكثر ألماً هو لحظة انتظار القارب. تلك اللحظة التي يجد فيها كل شخص نفسه يبوح بما حاول إخفاءه طوال الوقت، والوجع الذي لا يحتمل”. لكن العرض لم يكن مجرد سرد للمعاناة، بل كان مليئاً باللحظات الإنسانية الصادقة التي تُعبّر عن مشاعر مختلفة، مدعومة بمقاطع غنائية أداها الممثلون لتعميق تأثير المشاعر لدى الجمهور.
هكذا، جمع “قارب 22” بين النص الدرامي والغناء، ليصبح واحداً من الأعمال المسرحية المميزة التي تعكس الواقع السوري بكل صراحته وصدقه.
توثيق تاريخي
في عصر يزداد فيه تطور التقنيات الحديثة، يظلّ المسرح رمزاً للفنّ الأصيل القادر على نقل الواقع كما هو دون زيف أو تحريف. ورغم أن التقنيات الحديثة قد تساهم في تقديم أفلام ومسلسلات قد تحاكي الواقع، إلا أن المسرح يبقى نقياً وعميقاً، يُعبِّر عن مشاعر البشر في لحظات حقيقية على خشبته. أما بالنسبة لعصام علام، فالمسرح ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل هو أداة توثيق تاريخية: “المسرح هو مرآة المجتمع،
هو نبض الحياة التي لا تستطيع التقنيات الحديثة أن تُعبر عنها بشكل حي ومباشر”. ولذلك، يظل تقديم العروض المسرحية في الأوقات الصعبة جزءاً من المسؤولية الوطنية والثقافية التي لا تتوقف، بل يجب أن تستمر في توثيق ما مرّ به المجتمع.
الواقع والحلم على خشبة المسرح
من بين العروض التي قدمتها “فرقة العراب للفنون المسرحية” كان “قارب 22” أولى الأعمال التي قدمت بعد تحرير بعض المناطق السورية، في مدينتي طرطوس واللاذقية، وهو بمثابة شهادة حيّة على الواقع المأساوي للسوريين.
فضاء للتفكير والتعبير
لا يزال المسرح، رغم التحديات، يشكل منصة حيوية للتعبير عن القضايا الإنسانية، وهو أداة ثقافية غنيّة تبعث الأمل في النفوس، وتنقل للأجيال القادمة ملامح تاريخهم. وفي ظلّ الصعوبات التي يعاني منها الشعب السوري، يظلّ المسرح ملاذًا ضروريًا لكتابة التاريخ وتجسيد الذاكرة الوطنية عبر الأداء الحيّ على خشبته.
وفي النهاية، يبقى المسرح ساحة حوار جماعي، يفتح المجال أمام الجمهور ليعيش تجربة فكرية وعاطفية، ويُسهم في تشكيل الوعي الجماعي.