الثورة – رانيا حكمت صقر:
في ورشته المتواضعة، حيث تتناثر قطع من الخشب والحجر، ورائحة النشارة تختلط بعبق الإبداع، يقف مصعب نجم ليس مجرد نحّات، بل هو ساحر يحاور المواد الجامدة فيسلب قلوبها لتنطق بلسان الجمال.
هنا، بين ضربات المطرقة الهادئة والمتقنة، وحركات الإزميل التي تشبه رقصة مصالحة بين الفكرة والمادة، يُولد فن لا يعترف بالحدود.

لا مكان للصدفة
لم تكن رحلة نجم مع الفن وليدة الصدفة، كما روى لصحيفة “الثورة”، بل هي قصة حب متجذرة منذ نعومة أظفاره.
“بدأ شغفي بالفن منذ الصغر”، كما يروي، لكن اللحظة الفاصلة كانت حين أدرك أن الفن هو “لغته الأولى”، تلك اللغة التي تفوق قدرتها قدرة الكلمات على التعبير.
يقول نجم : “حين استوعبت أن الفن هو تنفسي، امتلكت رؤية واضحة، رأيت كيف يمكن لهذا الشغف أن يكون أداة قوية للتغيير، ووسيلة لترجمة ما يعجز اللسان عن قوله”.
لا ينكر نجم دور الركيزة الأساسية التي سندته ودفعت به إلى الأمام، فالمحيط من الأقرباء والأصدقاء، والبيئة الاجتماعية الإيجابية، لم تكن مجرد خلفية صامتة، بل كانت داعماً نفسياً ومعنوياً لا ينضب.
“هم يفهمونني، ويؤمنون بي حتى عندما أتردد أحياناً”، بتلك العبارة البسيطة يلخص الفنان سراً من أسرار استمراريته وثباته.
حوار الحرفي مع الطبيعة لتحقيق مشهده الفني المنحوت، يفتح صندوق أدواته ليكشف عن عالمين، عالم التقليدي اليدوي بعذوبته وأصالته، وعالم الحديث الكهربائي بدقته وسرعته، فهناك أزاميل نحت الخشب الحادة، وأخرى أكثر صلابة لنحت الحجر، إلى جانب أدوات كهربائية تساعد في تشكيل المادة الخام بعناية فائقة.
ولا يقل اهتمامه باختيار الخامات عن شغفه نفسه، فهو يفضل الخشب القاسي مثل خشب التوت المعروف بمتانته، والجوز بعروقه الفنية الرائعة، والسنديان الشديد التحمل، كما يتعامل مع أنواع الحجر المحلي الرخامي الصلب، الذي يتحدى يد الفنان ليظهر منه في النهاية أروع المنحوتات، حاملاً في صلابته ليونة مفعمة بالحياة.

إلى المعارض العالمية
لم تبقَ موهبة نجم حبيسة الورشة، فقد شارك بعدة فعاليات فنية محلية، محاولاً نقل تجربته وفنه إلى الجمهور الأوسع، لكن طموحه لا يعرف السقف، فهو “يطمح للمشاركة بمعارض كبيرة وعلى أعلى المستويات”، حاملاً معه حلم أن يرى الفن النحتي العربي يلمع في الخارطة الفنية العالمية.
يختم مصعب حديثه برسالة مؤثرة يوجهها للشباب الموهوبين قائلاً: “حافظوا على شغفكم بالفن، فهو الوقود الذي يحرك روحكم. التزموا بتطوير الذات بشكل مستمر، فالفن بحر لا شاطئ له، واستثمروا وقتكم في تطوير شغفكم، فهو الاستثمار الوحيد الذي لا خسارة فيه”.
هكذا يكون مصعب، ليس مجرد صانع تماثيل، بل هو حكاء يكتب بقلم من فولاذ على أوراق من خشب وحجر، مؤمناً بأن النحت هو لغة الصمت التي تعلو فوق ضجيج العالم.