االثورة – فؤاد الوادي:
بعد زيارة وصفت بـ” الناجحة” إلى الولايات المتحدة، يتوجه اليوم الأربعاء، وزير الخارجية، أسعد الشيباني، إلى المملكة المتحدة في جولة تحمل في جعبتها مناقشة الكثير من الملفات الهامة، التي تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الثنائية على أسس وثوابت واضحة تحاكي المصلحة الوطنية العليا للشعب السوري.
وتتزامن زيارة الوزير الشيباني، مع قرار لندن رفع العقوبات المفروضة على الرئيس أحمد الشرع، في خطوة تعكس ارتدادات نجاح زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة على كل الملفات والقضايا العالقة والإشكالية، بل والحديث عن ترابط وثيق بين زيارة الشيباني إلى المملكة المتحدة، وزيارته إلى الولايات المتحدة، كامتداد للجهود الأميركية والغربية في دعم سوريا الجديدة من أجل نهوضها وتعافيها.
ملفات كثيرة ستوضع على طاولة البحث، لعل أبرزها استكمال مناقشة ملف رفع العقوبات عن سوريا وأهمية الدعم البريطاني تحديداً والأوروبي على وجه العموم في هذا الملف، كما سيحضر على الطاولة ملف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية وآلية ضبط تلك التجاوزات بما يضمن وحدة وسيادة وأمن سوريا، لاسيما في ضوء المواقف البريطانية الواضحة حيال هذا الجانب، لجهة التشديد على ضرورة أن توقف ” إسرائيل” اعتداءاتها، وأن تحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
كما يُتوقع أن يكون ضمن أجندة المباحثات سبل دعم لندن لدمشق في مرحلة إعادة الإعمار، وتهيئة البيئة الاقتصادية المناسبة لاستقطاب رجال الأعمال والمستثمرين البريطانيين، وهذا يكون من خلال الوقوف مع الدولة السورية لفرض سيطرتها على كل الأراضي السورية وتحقيق الاستقرار والأمن، لأنهما المدخل الأساسي لإنجاز أي شيء.
بريطانيا نحو الدعم الكلي
كانت بريطانيا من أبرز الدول الداعمة للعقوبات على النظام السوري، إذ بدأت فرض عقوباتها على سوريا منذ العام 2011، أي مع بدء اندلاع الثورة السورية، في إطار منظومة عقوبات متكاملة للاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت، إذ كانت لندن آنذاك عضواً فيه، وذلك رداً على ممارسات النظام الوحشية بحق المدنيين، وشملت الحزمة الأولى من العقوبات، حظر تصدير المعدات العسكرية إلى سوريا، وتجميد أصول وحسابات مالية لمسؤولين وضباط متورطين في الانتهاكات، إضافة إلى حظر سفرهم إلى بريطانيا أو أوروبا، كما دعمت بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي فرض حظر على استيراد النفط السوري في سبتمبر/أيلول 2011 بهدف تجفيف أهم مورد مالي للنظام.
وقد توسّعت العقوبات على مدى سنوات الثورة لتطال مئات الأشخاص والكيانات السورية المتورطة بقمع وقتل السوريين، بما فيها الرئيس المخلوع وأفراد عائلته وكبار الضباط ورجال الأعمال الداعمين له، وشملت العقوبات “الأوروبية-البريطانية”، أيضاً مؤسسات، مثل البنك المركزي السوري، وشركات النفط، والقطاع العسكري، والأمن.
كما أغلقت بريطانيا سفارتها في دمشق في أوائل عام 2012، كما قامت لندن في مايو/أيار 2012 بطرد القائم بالأعمال السوري، واثنين من كبار الدبلوماسيين احتجاجاً على مجزرة الحولة بحق المدنيين.
وأكدت لندن مراراً على رفضها تخفيف الضغط عن النظام المخلوع في ظل مواصلته عمليات القتل والتهجير والتدمير والاعتقال الممنهجة، ففي عام 2017، أكد وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت بوريس جونسون، أن بريطانيا والولايات المتحدة ودولاً أخرى لن تدعم إعادة إعمار سوريا إلا بعد حدوث انتقال سياسي بعيداً عن نظام الأسد، بمعنى آخر، لن تسهم تلك الدول في إنعاش اقتصاد سوريا أو رفع العقوبات الثقيلة ما لم يتم إزاحة نظام الأسد.
استمرت بريطانيا بتشديد عقوباتها ضمن إطار الاتحاد الأوروبي حتى خروجها منه عام 2020، كما أنها وبعد إتمام “الـبريكست”، حرصت على استمرار سياسة الضغط على دمشق عبر العقوبات بشكل مستقل، إذ أصدرت المملكة المتحدة لوائح عقوبات خاصة بها دخلت حيز التنفيذ في 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، حافظت فيها على جوهر العقوبات السابقة التي كانت مفروضة خلال عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
وبعد عام 2020، واصلت بريطانيا إضافة كيانات إلى لائحتها المستقلة، فمثلاً أعلنت عام 2022 عقوبات تستهدف مورّدي “الكبتاغون” وممولي النظام من أمراء الحرب السوريين، وفي المقابل، أوجدت بريطانيا آليات استثناء إنسانية ضمن نظام العقوبات لضمان عدم إعاقة المساعدات للشعب السوري، ومثال ذلك إصدار ترخيص عام لتسهيل جهود الإغاثة بعد زلزال فبراير/شباط 2023 بحيث لا تُعدّ التحويلات المتعلقة بالإغاثة انتهاكاً للعقوبات، وبقي الخط العام للسياسة البريطانية متشدداً في العقوبات باعتبارها أداة ضغط أساسية على النظام المخلوع، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تحول في الموقف بعد سقوط الأسد
مع انتصار الثورة السورية وسقوط النظام المخلوع، سارعت الحكومة البريطانية للتواصل مع القيادة السورية الجديدة، حيث زار دمشق مسؤولون كبار من وزارة الخارجية البريطانية، كما شاركت بريطانيا في اجتماعات دولية لمناقشة الوضع في سوريا، بما في ذلك اجتماع في روما في يناير/كانون الثاني 2025، حيث التقى وزير الخارجية ديفيد لامي مع نظرائه من السعودية وأوروبا والعالم العربي لمناقشة دعم الحكومة السورية الانتقالية وضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة خلال فترة نظام الأسد المخلوع.
كما أعلنت بريطانيا عن حزمة مساعدات بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني لدعم المتضررين، بما في ذلك توفير الغذاء والرعاية الصحية والمأوى، وبدأت برفع للعقوبات تباعاً، ففي مارس/آذار 2025، رفعت بريطانيا العقوبات عن 24 كياناً سورياً، بما في ذلك البنك المركزي، وشركات النفط.
وفي 24 إبريل/نيسان 2025، تم رفع العقوبات عن وزارتي الدفاع والداخلية، بالإضافة إلى وكالات الاستخبارات ووسائل الإعلام الحكومية وكيانات إعلامية أخرى، بهدف دعم جهود إعادة بناء الاقتصاد السوري، وتأمين الاستقرار في سوريا.
في المجمل، فإنه يمكن القول، إن رفع العقوبات عن الرئيس الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، يحمل الكثير من الدلالات السياسية والرمزية عن الرؤية الجديدة التي بدأ الغرب من خلالها ينظر إلى سوريا الجديدة، كدولة وقيادة ومؤسسات، وشعب يريد النهوض بأسرع وقت من تحت الركام، والأهم أن النظرة الغربية باتت تنظر الى دمشق من باب الدور والتأثير والمكانة الرمزية الحضارية، لاسيما في يتعلق بالإجماع الغربي والأميركي حول الحفاظ على استقرارها وأمنها، كونها أساساً لاستقرار المنطقة برمتها، ولعل هذا الجانب أخذ حيزاً كثيراً من تصريحات الرئيس الشرع والوزير الشيباني، وكان محور لقائهما بالمسؤولين البريطانيين من أن استقرار سوريا هو من استقرار المنطقة والعكس صحيح.
سوريا اليوم تعيد تشكيل المنطقة
من خلال رؤيتها وجهودها الكبيرة في إرساء السلام والاستقرار ومحاربة الإرهاب، سوريا اليوم تعيد تشكيل المنطقة، وهذا ما يتفق بالعنوان والمضمون مع طموحات الغرب من المأمول من دمشق خلال المرحلة القادمة، وصولاً إلى تعزيز التعاون والعلاقات بين دمشق وكل الدول الأوروبية بشكل عام، وفي مقدمتها المملكة المتحدة التي استبقت زيارة وزير الخارجية برفع العقوبات عن الرئيس الشرع، في خطوة تجسد حجم الاهتمام البريطاني بدعم الدولة السورية والانفتاح عليها في كل المجالات.
يذكر أن الرئيس أحمد الشرع، كان قد التقى على هامش أعمال مؤتمر قمة المناخ (COP30) في مدينة بيليم البرازيلية في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر، وكان استقبل في دمشق في يوليو/تموز الماضي، وزير خارجية المملكة المتحدة ديفيد لامي، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون.
وفي يونيو/حزيران الماضي، التقى الوزير الشيباني في دمشق مبعوثة المملكة المتحدة إلى سوريا آنا سنو، وبحث معها سبل تعزيز العمل المشترك في المجالات المختلفة، ودعم الشعب السوري في مرحلة إعادة الإعمار.
واعتبرت سنو، أنّ أهمية التعافي الاقتصادي دفعت المملكة المتحدة إلى التحرك بسرعة نحو رفع العقوبات عن سوريا، حيث تم في أبريل/نيسان الماضي رفع القيود عن قطاعات أساسية مثل المالية والطاقة والنقل، بهدف إعادة تنشيط الاقتصاد، وذلك بالتوازي مع تقديم الدعم الواسع لقطاعي التعليم والزراعة بما يسهم في تعزيز تعافي البلاد.
وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية إرسال حزمة من المساعدات الإنسانية لأكثر من 85 ألف شخص في سوريا لدعم الاحتياجات الإنسانية تبلغ قيمتها 1.7 مليون جنيه إسترليني.
ويوم الجمعة الماضية، أعلنت بريطانيا رفع العقوبات المفروضة على الرئيس أحمد الشرع، بعد أن اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار نفسه، ورغم هذه التعديلات، أكدت السلطات البريطانية أن العقوبات المفروضة على شخصيات من نظام الأسد المخلوع لا تزال سارية، في إشارة إلى استمرار التزامها بموقفها من الانتهاكات التي ارتُكبت خلال سنوات الحرب.