الثورة – عامر ياغي:
يترقب الشارع والقطاع المالي في سوريا، أثر قرار الولايات المتحدة تمديد تعليق عقوبات “قانون قيصر” لمدة ستة أشهر إضافية، في حين يؤكد خبراء أن الإجراء فرصة حقيقية تختبر مدى قدرة المؤسسات الاقتصادية على استثمار الانفراجة المؤقتة في كسر الجمود واستعادة التوازن النقدي واستقرار الليرة وسط التحديات الداخلية.
ويرى الخبير المالي والمصرفي يحيى السيد عمر، أن تعليق قانون “قيصر” يُعد مؤشراً جيداً للاقتصاد السوري، باعتباره خطوة قد تفتح نافذة لتحسين الواقع المالي والمعيشي، لكنه في الوقت ذاته يمثل اختباراً لقدرة المؤسسات السورية على استثمار الفرصة في بناء قاعدة مالية أكثر توازناً. وقال السيد عمر لصحيفة “الثورة”، إن هذا القرار، رغم أنه محدود المدة، يشكل تطوراً مهماً في سياق العلاقات الاقتصادية بين سوريا والمجتمع الدولي، خاصة في ظل الضغوط التي فرضتها العقوبات خلال السنوات الماضية على القطاع المالي وسعر الصرف والتحويلات الخارجية.

استقرار مؤقت لليرة
وتوقع أن يمنح تعليق العقوبات بعض الاستقرار النسبي في سوق الصرف على المدى القريب، نتيجة لانخفاض المخاوف من تشديد العقوبات على المعاملات المالية والتجارية. ومع ذلك، فإن التحسن الفعلي في قيمة الليرة السورية سيبقى محدوداً، لأن أسباب التراجع ليست كلها مرتبطة بالعقوبات، بل تمتد إلى عوامل داخلية مثل ضعف الإنتاج المحلي ونقص القطع الأجنبي وتراجع الصادرات، وفق السيد عمر. ويتفق الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، مع السيد عمر، حول أن تعليق “قانون قيصر” أو إلغاؤه يؤدي إلى استقرار نسبي قصير الأمد في سعر صرف الليرة السورية، لكنه لا يغير جذرياً من واقع السوق السوداء التي ما زالت تتحكم في التحويلات الشخصية أكثر من مصرف سوريا المركزي، مؤكداً أن معالجة السوق السوداء تتوقف على سياسة المصرف المركزي في إدارة النقد، وهذا ما سوف تظهر نتائجه مع إجراءات تبديل العملة السورية.
وأوضح قوشجي في تصريح لصحيفة “الثورة”، أن تأثير التعليق أو إلغاء العقوبات على سعر الصرف يمكن أن تؤدي إلى استقرار نسبي عند مستويات تتراوح بين 11,500 و11,600 ليرة للدولار في السوق السوداء خلال فترة النقاش حول تعليق العقوبات، لكنه استقرار مؤقت، لا يضمن تحسناً طويل الأمد، لأن المستثمرين والمتعاملين يدركون أن استقرار سعر الصرف هو سياسات نقدية سورية.
التحويلات والسوق السوداء
ويقلل قوشجي من أثر تعليق العقوبات أو إلغائها على التحويلات المالية، لأن المصارف السورية ما زالت محدودة القدرة على استقبال التحويلات عبر القنوات الرسمية بسبب ضعف الثقة الدولية واستمرار القيود التقنية والرقابية، لذلك تبقى السوق السوداء مسيطرة على عمليات التحويل، إذ يلجأ معظم السوريين إلى شركات الصرافة غير الرسمية للحصول على الدولار بسرعة وبسعر أقرب إلى السوق.
في السياق ذاته، يشير السيد عمر إلى أثر نفسي إيجابي للقرار، لكن رغم ذلك، تميل الأسواق إلى الحذر، ولا يمكن الحديث عن تحسن ملموس ما لم تترجم هذه الخطوة إلى زيادة فعلية في تدفق العملة الأجنبية، سواء عبر الاستثمارات أو التحويلات من الخارج، إذ تشكل التحويلات المالية القادمة من السوريين في الخارج أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في الاقتصاد السوري. ويضيف أن تقديرات التحويلات المالية القادمة من السوريين تتحدث عن ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وفي حال تمكن مصرف سوريا المركزي من استثمار فترة التعليق لفتح قنوات تحويل رسمية أكثر مرونة وربطها بالمصارف الدولية، فإن ذلك سيُعزز ثقة المغتربين ويدفعهم لاستخدام القنوات القانونية بدلاً من السوق الموازية. لكن من المرجح، وفق السيد عمر، أن تبقى السوق السوداء فاعلة خلال الفترة المقبلة؛ بسبب فوارق سعر الصرف بين الرسمي والموازي، إضافة إلى البطء النسبي في الإجراءات الرسمية وكلفة التحويل. وأوضح أن السيطرة الكاملة للمصرف المركزي على التحويلات تحتاج إلى سياسات أكثر مرونة تواكب الواقع المالي، ونجاحه في تعزيز الاستقرار النقدي يعتمد على تطبيق إصلاحات حقيقية، أبرزها ضبط السوق الموازية، وتوحيد أسعار الصرف تدريجياً، وتحديث أنظمة الدفع والتحويل.

دور المصرف المركزي
يعتقد قوشجي أن المصرف المركزي يسعى إلى استعادة دوره في ضبط السوق عبر تحديد أسعار رسمية للتحويلات، لكن هذه الأسعار غالباً أقل من السوق السوداء، مما يدفع الناس إلى تجنب القنوات الرسمية، الأمر الذي يوجب على المركزي في هذا السياق “جذب المواطنين” أن يقدم سعر صرف واقعي وقريب من السوق، إضافة إلى تسهيل الإجراءات وتقليل الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء.
ورجح مع تعليق العقوبات فقط لستة أشهر، أن تبقى السوق السوداء حالياً هي المرجع الأساسي للتحويلات، بينما يظل دور المركزي محدوداً في ضبط الأسعار أو جذب التحويلات الرسمية، مؤكداً أن تعليق “قانون قيصر” يمنح الاقتصاد السوري تنفساً مؤقتاً ويخلق استقراراً نسبياً في سعر الصرف، لكنه لا يغير من حقيقة أن السوق السوداء ما زالت المسيطرة على التحويلات الشخصية، الأمر الذي يؤكد ضرورة قيام المصرف المركزي بإصلاحات جذرية وتنسيق دولي لإعادة بناء الثقة، وإلا سيظل تأثير التعليق محدوداً ومرحلياً.
إصلاحات مطلوبة
ويؤكد السيد عمر ضرورة اتخاذ خطوات واضحة لتحفيز الثقة بالقطاع المصرفي المحلي، مثل تسهيل السحب والإيداع بالعملات الأجنبية، وضمان سرعة تنفيذ التحويلات، وهذه الإجراءات يمكن أن تقلّص تدريجياً دور السوق السوداء، وتعيد للمصرف المركزي موقعه الطبيعي في إدارة السياسة النقدية.
وخلص إلى أن تعليق “قانون قيصر” ليس نهاية العقوبات، لكنه يشكل فرصة سياسية واقتصادية لسوريا، لاختبار قدرتها على التعافي، وإذا أحسنت المؤسسات المالية إدارة هذه المرحلة بجدية وتخطيط متوازن، فقد يشهد الاقتصاد السوري بداية استقرار نقدي نسبي، وتحسناً تدريجياً في تدفق التحويلات الخارجية، أما في حال غياب الإصلاحات واستمرار الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، فستبقى السوق السوداء اللاعب الأقوى في تحديد اتجاهات السوق.