الثورة – جهاد اصطيف:
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ومع اقتراب فصل الشتاء الذي يضاعف الحاجة إلى مصادر الطاقة للتدفئة والإنتاج، يبرز قرار الحكومة بتخفيض أسعار المحروقات كخطوة محورية تثير الكثير من التساؤلات والتطلعات في آن واحد.
فبين وعود التخفيف عن المواطنين ومساعي دعم القطاعات الإنتاجية، يبقى التطبيق العملي والتأثير الحقيقي على الأرض هو المعيار الأهم، وفي مدينة حلب، التي لطالما شكلت مقياساً لحيوية الاقتصاد الوطني ونبض الشارع السوري، تتجلى انعكاسات القرار بوضوح من خلال آراء الفعاليات والمواطنين على حد سواء.
القرار الذي وصفه وزير الطاقة محمد البشير بأنه جزء من خطة إصلاح شاملة، تهدف لتخفيف الأعباء المعيشية وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، جاء بعد أسبوعين فقط من رفع تعرفة الكهرباء، ما جعل الرأي العام يتعامل معه بشيء من الترقب والحذر.

المدينة التي تقيس النبض
في حلب، لا يمكن لأي تغيير في أسعار المحروقات أن يمر من دون أن يترك بصمته على تفاصيل الحياة اليومية، فمن المعامل التي تعتمد على المازوت في تشغيل مولداتها، إلى الأفران والمخابز والأسواق، وصولاً إلى التدفئة المنزلية التي تشكل عبئاً متكرراً على العائلات مع حلول الشتاء.
يقول ياسر صوفان سائق ميكرو باص على خط صلاح الدي : في كل فترة كان يصدر قرار جديد، وما يهمنا اليوم هو التطبيق، وإذا فعلاً ثبت السعر وبقيت التسعيرة على حالها، فهذا يعني أن هناك استقراراً واستمرارية أفضل بموضوع النقل، وفائدة لأصحاب الميكروباصات.
أما زكية.ح، وهي متقاعدة من حي الأشرفية، فترى أن القرار يحمل بادرة أمل ولو صغيرة، وتضيف: كنا نخشى أن ندخل الشتاء وسعر المازوت يرتفع أكثر، لكن يتبقى الهم الأكبر أمامنا، ألا وهو كيف نحصل على مادة المازوت؟.
ويعبر هاني حمود صاحب فرن في حي الحمدانية عن مخاوفه بوضوح: كل شيء لدينا مرتبط بمادة المازوت، من تشغيل الفرن إلى المولدات، فإذا انخفض السعر فعلاً، تخف علينا التكلفة قليلاً.
ويوضح عمر داغر تاجر خضار أن أكثر من يتأثر بالمحروقات هم بائعو الخضار، لأن نقلها يتم بالشاحنات، وفي حال انخفاض سعر المحروقات، فهذا يعني أن نستجر البضاعة بسعر أقل، لكن السوق صراحة يحتاج لبعض الوقت حتى نشعر بالفرق.
تفاؤل مشروط بالتطبيق
المناطق الصناعية التي بدأت تستعيد نشاطها بعد سنوات من التوقف، كانت أكثر المتفائلين بحذر.
يشير طاهر محمد، صاحب معمل منظفات إلى أن الخطوة ممتازة من حيث المبدأ، لأنها تخفف عبء التكاليف المباشرة، وخاصة للمصانع الصغيرة والمتوسطة، لكن التنفيذ هو الفيصل، فأي نقص في التوريد أو عودة زيادة التسعير للأعلى يعطل الإنتاج من جديد.
بينما يعتبر جمعة أحمد، صاحب ورشة منسوجات، أن القرار سيعطي متنفساً محدوداً لكنه مهم، فانخفاض 20 أو 30 بالمئة من سعر المازوت، يمكن أن يعيد تشغيل ورديات إضافية، وخصوصاً في الشتاء، إلا أن الكهرباء تبقى التحدي الأكبر بعد رفع التعرفة، لكن يبقى القرار إيجابياً ويصب في مصلحة القطاع الصناعي.
في الأوساط التجارية، بدا الانقسام واضحاً، ورأى عدد من التجار أن القرار جاء متأخراً، فالأسعار ارتفعت بسبب الكهرباء والنقل خلال الفترة الماضية بسبب سعر الصرف، والآن نحتاج لأسبوعين آخرين لينعكس الانخفاض في السوق، بشرط أن يستقر الدولار.
بينما يشير عدنان غندور، صاحب مستودع أدوات كهربائية، إلى أن القرار يحمل رسائل طمأنة أكثر مما يحمل نتائج اقتصادية فورية، بمعنى خفض الأسعار خطوة ضرورية، لكننا بحاجة لحزمة أوسع من القرارات تعيد الثقة للسوق.

حلب المؤشر الحقيقي
من جانبه يرى الاقتصادي فادي حمود أن ما حدث هو أول انعكاس محلي لانخفاض أسعار النفط عالمياً، لكن الأثر في سوريا سيكون متدرجاً وبطيئاً.
وينوه بأن القرار الحكومي يسعى لتحقيق توازن بين تكلفة الاستيراد ودعم المواطن، لكن التطبيق في حلب بالذات سيكون المعيار، لأنها تجمع بين أكبر كتلة صناعية وأوسع قاعدة استهلاكية.
ويتابع حمود: إذا تمكنت الحكومة من تأمين المشتقات فعلياً بالسعر الجديد، يمكن أن نرى انخفاضاً نسبياً في أسعار النقل والإنتاج خلال الفترة القادمة، ما ينعكس على أسعار بعض السلع الأساسية، وهذه خطوة مبشرة.
بين التفاؤل والواقعية
على الرغم من الحذر الذي يعبر عنه كثير من الحلبيين، إلا أن الأمل لا يزال حاضراً في الشارع.
يقول الشاب عبد الرحمن موسى عامل في مطعم شعبي: نحلم أن نعيش يوماً ما لا نخشى فيه من قيمة فاتورة الكهرباء ولا من تعبئة المازوت للتدفئة، على الأقل شعرنا بعد صدور القرار أن هناك أملاً.
بينما تختصر “إزدهار.س”، أرملة من حي الأنصاري، شعور شريحة واسعة من الناس بقولها: لا نريد قرارات كثيرة، نريد ثباتاً واستقراراً بالسعر، لكي نعرف كيف نخطط لشهرنا من دون أن يتغير السعر كل أسبوع.
القرار على المحك
بين الأرقام الرسمية وتحديات الواقع، يقف قرار تخفيض أسعار المشتقات النفطية عند مفترق الثقة بين المواطن والدولة.
في حلب تحديداً، التي عانت من غياب الاستقرار الطاقي لسنوات، تبدو الانعكاسات مرهونة بمدى الالتزام بالتنفيذ، والقدرة على ضبط الأسواق.
حتى الآن، يبقى المزاج الشعبي متأرجحاً بين تفاؤل حذر وأمل واقعي، فالمواطن الحلبي لا ينتظر الوعود، بل يريد أن يشعر بالدفء فعلياً لا مجازياً.