الثورة – مريم إبراهيم:
عكس قرار تخفيض أسعار المشتقات النفطية الذي أصدرته وزارة الطاقة أمس نوعاً من الارتياح والصدى في أحاديث متداولة بين المواطنين، في الوقت الذي ما زالت فيه الأصوات تناشد الجهات المعنية ضرورة إعادة النظر في قرار ارتفاع أسعار الكهرباء الذي أعلن عن بدء العمل به مع بداية الشهر الجاري.
الترشيد مسؤولية
وزير الطاقة محمد البشير،عبر حسابه على منصة إكس، بين أنه في إطار خطة الإصلاح الشاملة في قطاع الطاقة، تم العمل على تخفيض أسعار المشتقات النفطية بما يحقق التوازن في الاستهلاك ويعزز كفاءة استخدام الموارد، وهذه الخطوة ستنعكس إيجاباً على الواقع الاقتصادي، وتخفف من الأعباء المعيشية على المواطنين، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، فالترشيد مسؤولية وطنية، والاستدامة خيار لا بديل.
ولفت مدير الاتصال الحكومي بوزارة الطاقة، أحمد السليمان، في تصريح إعلامي أن قرار تخفيض أسعار المحروقات جاء ضمن خطة إصلاح شاملة، وانخفاض أسعار المحروقات يصل إلى 30 بالمئة، وهذا ما يخفف الأعباء عن المواطنين، وينعكس إيجاباً على أسعار المواد، بهدف الموازنة بين الاستهلاك والتكلفة، فالإنتاج المحلي خفف من استيراد النفط وأسهم في انخفاض الأسعار إضافة إلى الانخفاض العالمي للنفط.
مراقبة
ويرى مواطنون أن هذا الانخفاض مرهون بسعر الصرف، فأسعار المشتقات النفطية تتباين بين فترة وأخرى حسب السعر المتداول، مع أهمية أن يتزامن تطبيق القرار مع مراقبة ومتابعة مكثفة من الجهات المعنية على محطات المحروقات، ومراكز بيع الغاز، وضرورة أن يلمس المواطن أثراً حقيقياً من هذا الانخفاض على أرض الواقع، لا سيما في ما يخص واقع الأسعار للمواد التي باتت تسجل زيادة تصاعدية يومية، مع حالة الفوضى والمخالفات التي تشهدها الأسواق في مختلف المناطق منها شعبية ونظامية دون ضبط أو رقابة.
واعتبر خبراء طاقة ومحللون اقتصاديون أن قرار التخفيض خطوة مهمة، ومن شأنها أن تعكس كماً مهماً من الآثار الإيجابية على مختلف الاتجاهات المتعددة.
فائدة مستدامة
خبير الطاقة المهندس السموءل المصطفى أوضح لصحيفة الثورة أن خطوة تخفيض أسعار المشتقات النفطية بنسبة أكثر من ٢٢بالمئة، تأتي في وقت حساس، مع دخول فصل الشتاء وتزايد الحاجة إلى التدفئة، ويكتسب أهمية كونه جاء بعد رفع أسعار الكهرباء بنسب عالية وصفها الكثيرون بغير المنطقية وبأنها تتجاهل واقع غالبية الأسر، وهي مؤشرعلى وجود استراتيجية حكومية معينة تحكم عملية تسعير حوامل الطاقة، ويحفز التخفيض إمكانيات كبيرة لتقليل تكاليف الإنتاج وتحسين الدخل الفعلي للمزارعين والصناعيين خلال الشتاء، مع احتمال منخفض بوجود آثار اقتصادية كلية على الموازنة بسبب تضمين الأسعار السابقة هامش ربح معقول كان يذهب لتغطية دعم الكهرباء وغيرها.
للحصول على فائدة مستدامة وتجنب اختلالات مالية،ينصح بربط التخفيض باستراتيجيات واضحة اقتصادية واجتماعية تسير بالتوازي مع خطط زيادات الأجور، و تأمين حماية اجتماعية فعالة، سياسات نقدية ومالية مسؤولة وتعزيز الكفاءة وتوفير الإمدادات خلال الشتاء.
معادلة طاقة
وينوه المصطفى بأن المشكلة الاساسية في معادلة حوامل الطاقة هي الانخفاض الشديد في دخل المواطن، الأمر الذي يجعل من تأمين وقود الشتاء ( سواء كان عبر المازوت أو الكهرباء أو الغاز) تحدياً كبيراً، إذ إن حاجة الأسرة يومياً من المازوت للتدفئة بفرض استهلاك ٣ ليترات يومياً أي حوالي 180 إلى 200 ليتر شهرياً، ومع تقشف شديد، ويفرض توقف الاستهلاك عند حدود 200 ليتر لكامل فصل الشتاء فإن ثمنه بعد التخفيض يصل الى ١.٧ مليون ليرة سورية، أي ١٤٠ بالمئة من متوسط الرواتب والأجور200 بالمئة تقريباً من الحد الادنى للأجور.
تعزيز الطلب
ويضيف المصطفى: إن تخفيض سعر الوقود على المستهلكين يمكن أن يعزز الطلب الكلي ويخفض تكاليف المدخلات لطيف من الأنشطة الاقتصادية، مثل التصنيع والزراعة والنقل، ما يسهم في دعم الإنتاج في فصل الشتاء، إذ تقل المصادر الأخرى للكهرباء والتهدئة، إضافة إلى أن تخفيض الوقود قد يحفّز استهلاك الوقود أكثر من اللازم إذا لم يكن هناك تحريك لسعر الوقود أو سياسات تشجيع كفاءة الطاقة، وهو ما قد يرفع الطلب الإجمالي على الوقود في المدى المتوسط إذا لم يرافقه سياسات كفاءة ونقل عام مستدام.
إعادة ضبط
الخبير الاقتصادي عامر ديب بين لصحيفة الثورة أنه في خطوة لافتة، أعلنت وزارة الطاقة السورية عن تخفيض أسعار المشتقات النفطية بنسب تراوحت بين 15 إلى 25 بالمئة، شملت البنزين والمازوت والغاز المنزلي والصناعي، إذ انخفض سعر البنزين من 1.10 إلى 0.85 دولار، والمازوت من 0.95 إلى 0.75 دولار، كما شمل التخفيض الغاز المنزلي والصناعي بشكل واضح.
ولفت الخبير ديب أن هذا القرار يأتي بعد فترة قصيرة من تعديل أسعار الكهرباء، ما يشير إلى سعي الحكومة لإعادة ضبط هيكل التكلفة الطاقية في السوق السورية، وتحقيق نوع من التوازن بين تكلفة الإنتاج والدخل الحقيقي للمواطن، والهدف الواضح من هذه الإجراءات هو تحريك العجلة الاقتصادية وتخفيف الضغط التضخمي الذي تراكم خلال الأشهر الماضية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وانعكاسها على الأسواق المحلية.
خفض التكلفة
وبحسب ديب من المتوقع أن يسهم القرار في خفض تكلفة النقل والإنتاج، ما قد ينعكس تدريجياً على أسعار السلع الأساسية والخدمات، هذه الخطوة يمكن أن تعيد بعض التوازن إلى حركة العرض والطلب، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية، التي تعتمد على الوقود في عملياتها اليومية، ومع اقتراب فصل الشتاء، يُعدّ تخفيض أسعار المازوت والغاز المنزلي رسالة طمأنة للمواطنين، خصوصاً أن هاتين المادتين تشكلان العمود الفقري للتدفئة في معظم المناطق، كما يخفف القرار العبء على الأسر محدودة الدخل التي كانت تواجه صعوبة في تأمين حاجتها من الطاقة خلال الأشهر الباردة.
ويختم ديب بأن استقرار أسعار الطاقة يعدّ عنصراً محورياً في جذب الاستثمارات المحلية وتثبيت بيئة الإنتاج، ما قد يفتح المجال أمام دورة اقتصادية أكثر استقراراً في المدى القريب، ورغم أن القرار يحمل طابعاً آنياً في تخفيف الضغط المعيشي، إلا أنه يفتح أيضاً الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل الطاقة في سوريا، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو النقل الأخضر ومصادر الطاقة المستدامة، فالتحكم الذكي في أسعار الوقود التقليدي يمكن أن يكون خطوة أولى نحو إعادة هيكلة قطاع الطاقة ليكون أكثر عدلاً وكفاءة.
مناشدات
ومع استمرار الحديث عن صدمة أسعار الكهرباء وارتفاعها، وعدم قدرة المواطن على التكيف مع الأسعار الجديدة تستمر مناشدة المواطنين للجهات المعنية بضرورة إعادة النظر في قرار ارتفاع أسعار الكهرباء، متمنين أن تشهد الفترة القادمة صدور قرار تخفيض أو تعديل التعرفة المرتفعة لأسعار الكهرباء ولو بنسب معقولة تراعي الظروف المادية للمواطن، وقدرته على تحقيق نوع من التوازن بين الاستهلاك والتكلفة، فهل ستأخذ الجهات المعنية هذا الأمر بجدية، أم أن الأصوات والمناشدات ستبقى من دون صدى؟.