الثورة – ثناء عليان;
عانت الزراعة في سوريا عامة وفي طرطوس خاصة الكثير من الصعوبات خلال السنوات الماضية، فمن سوء الإدارة من قبل الحكومات السابقة، مروراً بالتدهور الاقتصادي والمعيشي الكبير، وصولاً إلى مواسم الجفاف المتلاحقة وآخرها الموسم الحالي، لدرجة بات المزارع ومنتجاته في مهب الريح بانتظار الإسعاف بأي طريقة ممكنة، فالغريق يتعلق بقشة، وعلى الحكومة الحالية البحث عن هذه القشة، وإلا فإن مصير الزراعة في سوريا لا يمكن التنبؤ به.
في هذا الخصوص، يبيّن الخبير الزراعي المهندس مهند الأصفر أن توصيف واقع الزراعة في سوريا اليوم ليس بالأمر السهل، وخاصة أن الحكومة استلمت هذا الواقع وهو متهالك بلا أي دعم لوجستي تعتمد عليه تلك الزراعة، والأمر الذي زاد صعوبة، موسم الجفاف الذي كان قاسياً جداً على الزراعة هذا العام.
وأضاف: في آخر عشر سنوات، لم تتوفر أي مقومات لنجاح الزراعة، وهنا نتحدث عن بذار سيئة وآليات مكننة زراعية مدمرة، بالإضافة إلى الشح في الأسمدة وأساليب الري القديمة، وطوال السنوات الماضية لم ترق مستلزمات الإنتاج إلى تأمين احتياجات الحد الأدنى للزراعة، والأهم الأراضي الزراعية التي خرجت من الاستثمار الزراعي خلال السنوات الماضية.

القدرة الشرائية غير متكافئة
الأصفر أشار إلى أن الفلاحين يقفون حائرين اليوم، من دون معرفة ما الذي يمكن عمله في هذا الظرف، إذ يزرعون من دون توفر الري ضمن موسم جاف شحت فيه الأمطار، ومن دون تمكن في تأمين مستلزمات الزراعة والحصاد والتسويق وتسليم المحصول، كانت النتيجة أن الربحية أقل من التكاليف، ولربما ابتسم الحظ للفلاح في بعض الأصناف وحصل بعض الربح.
وبيّن أن هناك بعض أصناف الفواكه والخضار التي كانت أفضل قليلاً من المحاصيل الرئيسية، ولكن بالرغم من ذلك فإن القدرة الشرائية لم تكن متكافئة، ولن تفي بالغرض من دون دوران عجلة الإنتاج ومعاودة التسويق، وهنا لا يمكن وضع اللوم على أحد، فالظروف المناخية كان لها الكلمة الأعلى، ولم تخدم الزراعة ولم تساعد الفريق الحكومي (الزراعي – الصناعي – الاقتصادي).
وبالمحصلة -يضيف الأصفر- ما نتحدث به عن المحاصيل الزراعية، يتطابق مع واقع الثروة الحيوانية، كالدواجن والأبقار والأغنام، ومنتجاتها من بيض المائدة والحليب والألبان، والصناعات الغذائية.
تحديات العمل الزراعي
أهم التحديات التي تعوق العمل الزراعي، اعتبرها الأصفر تتمثل في عودة الأراضي الزراعية للإنتاج بعد التحرير، والتوسع بالمساحات القابلة للزراعة، واستصلاح الأراضي غير القابلة للزراعة، وهي مهمة ضرورية جداً للإقلاع بالعمل الزراعي، ثم نأتي على تأمين المستلزمات الزراعية، من البذار الجيدة إلى المكننة الزراعية، بهدف دعم الإنتاج المحلي، والرقابة على المواد الزراعية المستوردة مثل بذار البطاطا أو غيرها.
ولابد من التنويه إلى أمر ضروري جداً وهو التحول الفوري والمباشر لوسائل الري الحديثة ومراقبة حفر الآبار الجوفية، واستثمارها بالشكل الأمثل، بالإضافة لأهمية احصاء الثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني، وتحديد مستلزمات النهوض بهذا القطاع الحيوي، إن كان على صعيد تطوير القطعان بشكل عام من تحسين الولادات واستيراد البكاكير وأصناف جيدة من الصيصان وسلالات النحل.

تحديد الهوية الاقتصادية
ويرى الأصفر، أن من المهم قبل اتخاذ أي إجراء تحديد الهوية الاقتصادية لسورية بدقة كبلد زراعي، لنحدد إن كنا بلداً زراعياً أم صناعياً أم بلد اقتصاد حر أو سياحياً، هذا الأمر برأيه هام جداً للفريق الحكومي، حيث إن تحديد الهوية يساعد في إدارة الملف الاقتصادي بشكل صحيح.
ومن المعروف -يضيف الأصفر- أن سوريا بلد زراعي، وهنا نجد أمامنا الكثير من المهمات المطلوب تنفيذها، ومنها تشديد الرقابة على عمل هيئات الإشراف وعلى العملية الزراعية، حيث أننا نمتلك العديد من المؤسسات التي تعمل بشكل متضارب ويجب توحيد العمل بينها لتقديم هوية موحدة وحقيقية للقطاع الزراعي المحلي.
وبالنسبة للمنتجات الزراعية المستوردة، يتوجب وضع روزنامة زراعية متكاملة، حتى نحافظ على المنتج الزراعي السوري، مع أهمية وضع المواصفات السورية الزراعية بشكل واضح ودقيق، بحيث نتمكن من تصديرها بالشكل الأمثل والذي يواكب المواصفات العالمية، وعند الاستيراد يكون المنتج المستورد مضموناً ومناسباً لأسواقنا.
وهنا -وفق الأصفر- لابد من الإشارة إلى موضوع مراقبة المصانع التي تعتمد على المنتج الزراعي لدينا، حيث نحتاج إلى التنسيق المباشر بين الوزارات والهيئات المعنية بالعمل الزراعي كافة، واعتماد سياسة زراعية واضحة، تحدد خططاً آنية واستراتيجية للخروج من الظرف الحالي.
دور المنظمات والمجتمع المحلي
يؤكد الأصفر على ضرورة التعاون مع المنظمات الدولية والمجتمع المحلي، بهدف إيجاد مشاريع مولدة للدخل الحقيقي، فقد حان الوقت لتطوير المشاريع الزراعية بدلاً من الإبقاء على السلة الغذائية الجاهزة.
ويرى أن دور المنظمات والمجتمع المحلي، يكون بدعم مشاريع المرأة الريفية والمشاريع الأسرية الجماعية، وتسويق المنتجات الزراعية الأسرية، حيث إن أغلبية هذه المشاريع تعاني من وفرة الإنتاج وقلة التسويق، ومن الضروري تعليمهم كيفية تسويق منتجاتهم حتى نصل إلى مفهوم عالمي، اسمه الاقتصاد المنزلي.
أسواق خارجية
ويذكر الأصفر بأن هناك أولوية ضرورية يجب العمل عليها، تتعلق بتأمين مستلزمات الأدوية البيطرية واللقاحات، مع العمل على تطوير معامل الإنتاج الحيواني، بحيث نصل إلى مرحلة استقرار سعر المنتج الحيواني محلياً مع تميزه بالجودة والنوعية.
معتبراً أن استهداف الأسواق الخارجية لا يمكن أن يتم بشكل صحيح من دون القيام بدراسة دقيقة للأسواق الخارجية ومعرفة أذواق المستهلك الخارجي، ولذلك يجب سبر هذه الأسواق، والعمل على تطوير عمليات التغليف والتعبئة ليضاهي المنتج السوري المنتجات العالمية كافة.
وأيضاً ضرورة وضع خرائط صناعية اقتصادية زراعية، بما يؤمن العمل بديمومة في الإنتاج الزراعية واستقرار المزارع والأمن الغذائي، مع أهمية تطوير أداء البحث العلمي في مجال القطاع الزراعي.
انخفاض التسويق
بدوره، أكد رئيس اتحاد فلاحي طرطوس المهندس رائد مصطفى أن هذا العام شهد تسويق مجموعة واسعة من المحاصيل الزراعية في محافظة طرطوس، كان أبرزها البندورة، الحمضيات، التفاح، الزيتون، البطاطا، والخضار الصيفية.
حيث بلغت الكميات المسوّقة من مختلف المحاصيل حوالي ٦٨٠ ألف طن، مقابل نحو ٧٢٠ ألف طن في العام الماضي، أي بانخفاض طفيف يُقدّر بنحو ٥ إلى ٦ بالمئة، ويعود ذلك إلى التغيرات المناخية وقلة الهطل المطري في بعض المناطق، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل.
ولفت إلى أن محصولي البندورة والحمضيات يعدّان عماد الزراعة في طرطوس، وقد تراجعت الكميات المنتَجة هذا الموسم بنسبة تتراوح بين ١٠ و١٥بالمئة.
ويعود السبب الأساسي بالنسبة للبندورة، إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج (السماد، المحروقات، الأجور)، إضافة إلى انتشار بعض الآفات الحشرية نتيجة التقلبات المناخية.
أما الحمضيات، فقد تأثرت أيضاً بقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة خلال فترة العقد والإثمار، ما أدى إلى تدنٍ في الإنتاج وجودة الثمار، وبالتالي انخفاض في التسويق الداخلي والخارجي.
صعوبات التسويق
عن الصعوبات التي تواجه عملية التسويق، بيّن مصطفى أنها تتركز في ثلاثة محاور، وهي ارتفاع تكاليف النقل والتبريد والتغليف مقارنة بأسعار البيع، وغياب أسواق تصديرية مستقرة وصعوبات في التصدير الخارجي بسبب الإجراءات والرسوم، وضعف التنسيق بين المنتجين والجهات التسويقية، ما يؤدي أحياناً إلى فائض في الأسواق المحلية وخسارة للفلاح.
ولفت مصطفى إلى أن الحكومة تبذل جهوداً لتأمين الدعم للفلاحين عبر تأمين البذار والأسمدة المدعومة، وتخفيض أسعار المحروقات الزراعية، مؤكداً أن المرحلة القادمة تتطلب دعماً أكبر في مجال التسويق وليس فقط الإنتاج، من خلال توسيع منافذ البيع، ودعم النقل، وفتح أسواق خارجية جديدة.
ونوه بضرورة تفعيل الشراكة بين الاتحاد وهذه المؤسسات، وزيادة الطاقة الاستيعابية لمراكز الفرز والتوضيب، وربط المنتج مباشرة بالسوق من دون وسطاء.
مضيفاً: نعمل حالياً على دراسة إمكانية إطلاق مبادرة تسويقية، بالتعاون مع الجمعيات الفلاحية لتأمين منافذ بيع مباشرة في المدن الرئيسية، بما يضمن تحقيق ربح عادل للفلاح وتخفيض الأسعار للمستهلك.