الثورة – عدي جضعان :
توجه اليوم الأربعاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني، وزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى المملكة المتحدة لإجراء مباحثات مع مسؤولين بريطانيين، بحسب تصريح لإدارة الإعلام في وزارة الخارجية.
هذا اللقاء جاء عقب زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء الرئيس دونالد ترامب والبحث في إعادة بناء العلاقات الأميركية السورية بما يخدم مصالح البلدين.
القرار الأممي مظلة للتحرك البريطاني
في ضوء أقر مجلس الأمن الدولي بتأييد 14 عضواً وامتناع الصين قراراً يقضي برفع العقوبات الأممية عن الرئيس السوري، أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب، وفور صدور القرار أعلنت بريطانيا في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أنها سترفع العقوبات المفروضة على هذين الشخصيتين، مشيرة إلى أنها كانت تخضع لعقوبات مالية تستهدف تنظيمات إرهابية.
ويعد هذا التسلسل الزمني مهم جدا، فبريطانيا لم تبدأ برفع العقوبات بل لحقت بقرار مجلس الأمن الذي وضع بأيدي أميركية، وهذا القرار يؤكد تماما تعاضد القوى الغربية، مما يشير إلى أنها لم تتحرك منفردة، بل ضمن إطار ممنهج دولي واسع يسمح لها بالانخراط دون كسر وحدة الموقف الدولي.
رحبت الخارجية السورية بقرار مجلس الأمن برفع العقوبات، وذكرت أنه “يعكس وحدة الموقف الدولي لدعم سوريا”، وأن توافق مجلس الأمن “يمثل انتصاراً للدبلوماسية السورية التي نجحت في إعادة الاعتراف الدولي بمكانة سوريا السابق”، مؤكدة أن التقدم الذي أحرزته الحكومة السورية، لا سيما في المجالين السياسي والأمني، يدفع نحو إعادة تموضع العلاقات الدولية مع سوريا على أسس جديدة، معربة عن أملها في أن يُسهم القرار في دعم جهود الشعب السوري في البناء والتنمية.
التخفيف المرحلي بالتدريج
إن سياسة لندن تجاه دمشق اتخذت منهج التخفيف التدريجي، ويتضح ذلك من خلال الخطوات المتتابعة ففي مارس/آذار 2025 تم استهداف القطاع المالي في البنك المركزي، وتبعتها في أبريل/نيسان 2025 خطوات إزالة العقوبات عن الكيانات السيادية في وزارتي الدفاع والداخلية، وهذا يعتبر تدرجاً محسوباً يهدف إلى إعادة دمج المؤسسات السورية تدريجياً.
وزارة الخارجية البريطانية بدروها أكدت أن هذه التعديلات تأتي ضمن “خطة حكومية أوسع للتغيير” وتمنح المملكة المتحدة “مرونة أكبر في فرض عقوبات مستقبلية، ولفت وزير الخارجية البريطاني، إلى أن الخطة “ستشمل تخفيف القيود المطبقة على قطاعات الطاقة والنقل والمال”، مع التنويه إلى أن مئات العقوبات لا تزال سارية ضد أفراد وكيانات أخرى.
مجلس الاتحاد الأوروبي من جهته، قرر الإبقاء على العقوبات التي تستهدف عائلتي الأسد ومخلوف، وتشمل أيضاً الشخصيات البارزة في نظام الأسد وجيشه، والأشخاص ذوي الصلة، بما في ذلك رجال الأعمال والمليشيات والجماعات المسلحة الداعمة للنظام البائد.
الموازنة الصعبة بين التخفيف والمساءلة
تُعد خطوة بريطانيا في الفصل بين رفع العقوبات عن المؤسسات الحكومية، والإبقاء الصارم على قائمة العقوبات التي تستهدف شخصيات النظام السوري، جوهر التحول في السياسة البريطانية.
وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، في ديسمبر/كانون الأول 2019، وافق “الكونغرس” الأميركي على “قانون قيصر” الذي ينص على فرض عقوبات إضافية على الأفراد والمنظمات التي تقدم المساعدة لأنشطة نظام الأسد وداعميه روسيا وإيران في سوريا، ودخل القانون حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020.
وكان موظف منشق عن النظام ملقب بـ “قيصر”، سرب صوراً لنحو 11 ألف جثة لأشخاص قُتلوا تحت التعذيب في الفترة بين مايو/ أيار 2011 وأغسطس/ آب 2013، وكشفت الصور عن أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون في معتقلات النظام، ويفرض هذا القانون عقوبات على الأفراد والمنظمات المرتبطة بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد من خلال دعم قوات النظام في سوريا.
وبموجب قانون “قيصر”، تم إدراج اسم بشار الأسد كأول شخص تتم معاقبته بصورة مباشرة لارتكابه جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وإضافة إلى الأسد هناك 39 من كبار المسؤولين والمؤسسات السورية، بما في ذلك أسرته وزوجته على قائمة العقوبات. وإلى جانب اللواء زهير الأسد وابنه كرم الأسد، فإن نجل بشار الأسد، حافظ الأسد موجود أيضا في هذه القائمة. وتم إدراج شقيق بشار الأسد، ماهر الأسد، على قائمة العقوبات بموجب هذا القانون بسبب إسهامه المباشر بالحرب في سوريا والعنف ضد المدنيين.
وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية 6 أشخاص، بينهم اثنان من أبناء عمومة الأسد، إلى قائمة العقوبات، على خلفية تورطهم في إنتاج وتصدير المخدرات.
وتضم القائمة اسم عماد أبو زريق، وهو قائد سابق لجماعة مسلحة مناهضة للنظام، ثم لعب دوراً مهماً في إنتاج المخدرات وتهريبها في جنوب سوريا.
كسر الجليد ورسم خطوط التوازن
لا يمكن قراءة زيارة وزير الخارجية السوري إلى لندن والتحول البريطاني في ملف العقوبات بمعزل عن انعكاساتها المحتملة على المعادلات الإقليمية والدولية الأوسع، فالمملكة المتحدة بوصفها قوة دولية دائمة العضوية في مجلس الأمن وعضواً سابقاً مؤثراً في الاتحاد الأوروبي، لا تتحرك بشكل عشوائي بل وفق سياسات ممنهجة.
إن التقارب البريطاني السوري هو بمثابة “انفتاح” في الموقف الغربي، وقد يُرسل إشارة دبلوماسية قوية لإعادة تقييم السياسات لدى كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
هذه الخطوة قد لا تقتصر على العلاقات الثنائية، فقد يُعيد ترتيب أولويات القوى الكبرى في الملف السوري، ويسهم في إعادة رسم خطوط التوازن الإقليمي، سواء عبر فتح الباب لانخراط اقتصادي أوروبي أوسع أم عبر تحريك الجمود السياسي الذي ساد سنوات طويلة.