الثورة – علي إسماعيل:
أكد الرئيس السوري، أحمد الشرع، على الحفاظ على حق السوريين في المطالبة بتقديم الأسد للعدالة في إشارة إلى ضرورة محاكمة رئيس النظام البائد الهارب بشار الأسد، الذي هرب إلى روسيا منذ انهيار نظامه في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.
وأوضح الرئيس الشرع في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أمس الثلاثاء 11 نوفمبر/تشرين الثاني، إن “قضية بشار الأسد مزعجة لروسيا”.
وتابع الرئيس السوري الذي أجرى زيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع: “كنا في حرب ضد روسيا لمدة 10 سنوات، وكانت حربا صعبة وشاقة. أعلنوا أنهم قتلوني عدة مرات”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى روسيا لأنها عضو دائم في مجلس الأمن، نحن بحاجة إلى أن يكون صوتهم إلى جانبنا في بعض القضايا ولدينا مصالح استراتيجية معهم، لا نريد دفع روسيا لاتخاذ خيارات بديلة أو أخرى في التعامل مع سوريا”.
واعتبر الرئيس السوري، أن “قضية بشار الأسد مزعجة لروسيا، وعلاقتنا بهم ما زلنا في البداية، سنحافظ على حقوقنا كسوريين في المطالبة بتقديم الأسد للعدالة”.
في 9 من يناير/كانون الأول 2024، أعلن “الكرملين”، أن روسيا منحت بشار الأسد حق اللجوء لاعتبارات إنسانية، بحد تعبيره.
إصرار على المحاكمة
تنطلق القيادة السورية في إصرارها على محاكمة رأس النظام المخلوع من أمرين: أولهما حق السوريين في محاكمة من ظلمهم وشردهم وقتل أبناءهم، والثاني ترسيخ شرعية النظام الجديد عبر العدالة الانتقالية التي تعتبر الأساس في الحفاظ على الاستقرار والأمن.
ويقول الدكتور محمد شاكر، الخبير بالقانون الدولي، إن إصرار الحكومة السورية على محاكمة الأسد في إطار السياقات القانونية لبناء الدولة السورية كأولوية، رفعها الرئيس الشرع منذ اليوم الأول للتحرير، حيث تتمظهر هذه العملية على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ تشكل مسألة العدالة الانتقالية والمطالبة بمحاكمة رئيس النظام البائد وكل من تورط بالدم السوري أحد أهم هذه السياقات القانونية على الصعيد الداخلي، لاعتبار وحيد مؤداه أن العدالة الانتقالية هي من أهم مدخلات السلم الأهلي، بدءاً من تصميم مؤسسات العدالة الانتقالية داخلياً، بما يضمن حصول السوريين على حقهم في محاكمة رأس النظام المجرم وكل من تورط معه.
ويضيف الدكتور شاكر في حديثه لصحيفة “الثورة”: “العدالة الانتقالية في فقه القانون الدولي هي عملية وقائية سيادية أولاً، تعزز شرعية النظام السوري الجديد على صعيد المجتمع الدولي خارجياً، كما تعمل، داخلياً، على مجتمع خال من المجرمين، كمدخل لعمليات السلم الأهلي التي تعمل على التعافي من إرث الماضي، وتعزيز ثقافة مجتمعية، تسهم في بناء مستقبل أكثر أمناً، وسلاماً مستداماً، لهذا تتمظهر العمليتان في مراحل ما بعد النزاع، كعمليات جماعية، تكاملية، بين الحكومة والمجتمع، أساسها في ذلك، أنْ لا أحد فوق القانون”.
وما يعزز توجهات الحكومة السورية نحو محاكمات عادلة لرئيس النظام المخلوع وأركان نظامه بعيداً عن الانتقام، هو إصدار الرئيس الشرع في 28 أغسطس/آب الماضي المرسوم رقم 149 لعام 2025 القاضي بتشكيل لجنة الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بهدف مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات خلال سنوات الحرب وجبر ضرر الضحايا والاعتراف بمعاناتهم.
وكانت مقررة الأمم المتحدة المعنية بمناهضة التعذيب، أليس جيل إدواردز، قالت في وقت سابق: إن “الجميع يعرف أن نظام الأسد كان يستخدم عمليات التعذيب ضد آلاف المعتقلين والسجناء، وهذه الأساليب شملت الصعق بالكهرباء والاعتداءات الجنسية”، وفي مقابلة مع قناة “الجزيرة”، أكدت إدواردز أنها أعدت سجلا كاملا بهذه الاتهامات، وتضمن الوقائع والأمثلة التي قام بها الأسد، كما أشارت إلى أنها التقت ممثلين عن المحكمة الجنائية الدولية من أجل إحقاق العدالة وتعويض الضحايا والناجين.
ودعت المقررة الأممية في وقت سابق، الأسرة الدولية وأي جهة ذات صلة بجرائم نظام الأسد إلى إنشاء محكمة عليا لمحاكمة المسؤولين الضالعين في هذه الجرائم أو تسليمهم إلى سوريا.
كما قالت إن روسيا التي تحتضن الأسد حاليا (بعد أن منحته حق اللجوء) ملزمة بموجب القانون الدولي بمحاكمة بشار الأسد أو تسليمه إلى السلطات السورية الجديدة.
قلق روسيا من ملف الأسد
تعتبر روسيا ملف رئيس النظام المخلوع بشار الأسد عبئا عليها وعلى صورتها أمام حلفائها في مختلف أنحاء العالم، فهي توازن بين الحفاظ على هيبتها عبر محاولة تثبيت حق اللجوء الإنساني الذي منحته للرئيس المخلوع، وبين الحفاظ على علاقات جيدة مع القيادة السورية الجديدة لحماية مصالحها الاستراتيجية، فلذلك تحاول المراوغة في قضية تشكل بالنسبة لها إزعاجاً وقلقاً وحالة من الشيزوفرانيا السياسية بين معضلة الحليف واللاجئ السياسي.
وفي هذا السياق أكد الدكتور شاكر بالقول: إن “لجوء الأسد في دولة كانت حليفة له، لا يبرر أو يلغي الحق في محاكمته كمجرم حرب، كلما أصبح ملف المحاكمة عبئاً على روسيا ومصالحها، تماماً كما أصبح، سابقاً، هو ونظامه، عبئاً عليها”.
فجرائم الحرب هي قواعد آمرة في فقه القانون الدولي ولا تسقط بالتقادم، ومن البديهي القول أن النظام الدولي يقوم على المصالح الذاتية والدول ليست جمعيات خيرية، خصوصاً وأن روسيا تركز اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، لا سيما بعد وقوف الدولة السورية على مسافة واحدة من التجاذبات الدولية، ما يعزز فكرة أساسية مؤداها سورية أولاً.
وفي وقت سابق، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن “روسيا ليست طرفاً في اتفاقية روما التي أسست المحكمة الجنائية الدولية”، في إشارة إلى عدم رغبتها بتسليم الأسد.
بين العلاقات التاريخية والمصالح
يحاول الرئيس الشرع إعادة صياغة العلاقة على أساس المصالح المشتركة رغم وجود ملف الأسد المزعج، لأن روسيا دولة محورية في الشرق الأوسط أولا، وثانيا إن الرئيس الشرع ينطلق في مقاربته للعلاقة مع روسيا من العلاقات التاريخية التي تربط سوريا بروسيا.
وتمتلك روسيا حق النقض (الفيتو) الذي قد تستخدمه من أجل إسقاط أي قرار في مجلس الأمن يتعلق بمعاقبة بشار الأسد ونظامه، وتقول مصادر سياسية روسية إن روسيا قد تقرر في النهاية التخلي عن حماية الأسد وتحقيق مصلحة روسية مقابل أثمان سياسية تجنيها من الغرب، سواء من الأوروبيين أو الولايات المتحدة.
وقالت وكالة “رويترز” البرطيانية، في 2 من مارس/آذار الفائت، نقلاً عن ثمانية مصادر سورية وروسية ودبلوماسية، إن الشرع سعى خلال الاجتماع الذي عُقد في 29 من يناير/كانون الثاني الماضي في دمشق، إلى مطالبة روسيا بتسليم الأسد.
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وفي مقابلة بثّتها قناة “روسيا اليوم”، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن تفاصيل غير مسبوقة تتعلق برئيس النظام المخلوع بشار الأسد، موضحاً أن موسكو تدخلت لحمايته ونقله إلى روسيا.
مشيراً إلى أنه قرر اعتزال السياسة نهائياً، نافياً في الوقت نفسه ما يثار عن تسليمه، على حد تعبيره.
وفي ختام المقابلة، شدد الوزير الروسي على متانة العلاقات مع الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، قائلاً إن روسيا “تدعم الشعب السوري”.
ويمثل عدم توقيع كلٍّ من روسيا وسوريا على “ميثاق روما” الذي على أساسه شُكلت المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 عقبة أمام خضوع نظام بشار الأسد لاختصاصات هذه المحكمة، ومن ثم اللجوء إلى مسارات أخرى لمعاقبة مرتكبي الجرائم في حق السوريين، وأبرز هذه المسارات بحسب خبراء قانونيين هو أن يحيل مجلس الأمن الدولي الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، كون جرائم الحرب أو جرائم الإبادة أو حتى الجرائم الدينية هي من اختصاصات المحكمة وهو ما يسمح به “ميثاق روما” وبما يتيح إحالة ملفات تتعلق بالجرائم المنصوص عليها في هذه المعاهدة.
وهناك اتفاقية يمكن أن تستغلها الحكومة السورية، وهي اتفاقية موقعة بين كل من سوريا وروسيا عام 2022 وتتعلق بتسليم المطلوبين، وفي هذه الحالة يحق لسوريا إذا قررت محاكمة بشار الأسد أن تقدم طلباً لروسيا عن طريق هذه الاتفاقية لأنها معاهدة دولية، وسيادة الدولة لا تتوقف بسبب وجود ثورة أو انقلاب عسكري.