الثورة أون لاين – نهى علي:
تضاربت الرؤى حول حجم الإنجاز الحقيقي على مستوى التخطيط الإقليمي في سورية، إذ يرى متابعون أنّ تأخر إنجاز المخططات المتكاملة تسبّب في تأخير الكثير من المشروعات التنموية، فيما يرى القائمون على إدارة الهيئة المتخصّصة أنّ حجم الإنجاز مُرضٍ إلى درجة كبيرة، بالقياس بالمدى الزمني الذي استغرقه العمل بالمقارنة مع النتائج.
وترى مصادر هيئة التخطيط الإقليمي، أنّها استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية، وضع الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، وذلك لمختلف القطاعات الإنتاجيّة الخدميّة، حيث يعتمد هذا الإطار على واقع الرؤية المكانيّة للأنشطة المراد تكوينها.
وبحسب التقرير الصادر عن الهيئة فإن من أبرز الأنشطة التي لحظها الإطار هو النشاط الصناعي الذي بحاجة إلى صياغة وتنفيذ استراتيجية مكانية تنطلق من مبدأ الاعتماد على الذات، وعلى الإمكانيات المحلية المكانية، وترتقي إلى سقف ممكن من المنفعة المجتمعية، وتترجم الطموحات المشروعة لتكون رؤيته هي المحرك الرئيس للنمو المتوازن والمستدام، وبما يعزّز من مكاسب سورية في عملية الاندماج الاقتصادي الإقليمي، واستغلال الفرص الكامنة بناءً على تحليل الوضع الراهن للبنى التحتية الصناعية وانتشارها الجغرافي وتوضّعها المكاني لجهة توافر الموارد والبنية التحتية والخدمية.
ولحظ التقرير انعكاس الأزمة على الوضع الصناعي من حيث الصعوبات في تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية والقوى العاملة المؤهّلة، إضافة إلى وجود صناعات ومعامل كبيرة ومتوسطة وصغيرة منتشرة ضمن تنظيم صناعي خدمي وإداري على الرغم من وجود معوقات توسع وتأمين البنية التحتية لعدد كبير منها، إلى جانب الانتشار العشوائي للصناعات بمختلف أشكالها وأحجامها، ما يشكّل ضغطاً على الموارد المتاحة مكانياً وعلى الإطار المعيشي، وانتشاراً عشوائياً أيضاً للحرف والصناعات الصغيرة ومنها داخل المخططات التنظيمية.
كما لحظ التقرير أيضاً وجود تراخيص لصناعات الكبيرة خارج المدن الصناعية ومنها ما هو قريب من المدن الصناعيّة، وأشار التقرير إلى غياب التنسيق بين الجهات المعنية بالإشراف والتنسيق والتنفيذ والتطوير للمناطق والتجمعات الصناعية القائمة حالياً “النظاميّة والعشوائيّة”، حيث يسبّب هذا الأمر ضغطاً على الموارد والبنى التحتية والمخطّطات العمرانيّة وازدياد التلوّث والضجيج والآثار البيئيّة.
وبحسب التقرير فإن الرؤية الاستراتيجية لواقع النشاط الصناعي الذي تمّ رصده مكانيّاً يجب على القائمين عليه التقيّد بالخطة المكانيّة الوطنيّة للتنمية الصناعيّة التي تمّ اعتمادها والتقيّد بالمناطق التي حدّدتها الخطة المكانية وربطها بخطط الإنفاق السنوية والخمسية، كما ينبغي إعطاء التنمية المكانية لقطاع الصناعة ركناً أساسيّاً في عملية التعافي من آثار الأزمة، وزيادة الحصّة النسبيّة للصناعات المرتبطة بإنتاج وإمكانيات المنطقة، مع تحقيق الانتشار المتوازن للمناطق الصناعية بما يتوافق مع مناطق التركّز السكاني أثناء تنفيذ الخطة، فضلاً عن دعم رأس المال الصغير والمتوسّط لدخول سوق الإنتاج الصناعي، ووضع سياسات التحفيز بما فيها المالية والتسهيلات لاستقطاب الأنشطة الصناعية وبما يتوافق مع مبدأ تحفيز التنمية المستدامة والمتوازنة، وتوفير الشروط الملائمة لتنفيذ هذه المناطق وبفعالية زمنية وضمن قدرة التمويل، مع إمكانية لحظ مواقع إضافية للتنفيذ قبل بروز الطلب الفعلي، كما أنّه يجب اعتماد أسس التنمية المحلّيّة والتشاركيّة في صياغة وتنفيذ السياسات على المستوى المحلّي، وضرورة الانتقال من الحلّ الإسعافي إلى التنموي ومن الجزئيّات إلى الكلّيات، أيّ من معالجة حالة بحالة، ومن اعتماد حلول آنية إلى بلورة وتنفيذ رؤية تنموية شاملة للقطاع بشقّيه العام والخاص الإنتاجي والخدمي.
يذكر أنّ قائمة طويلة من الاستحقاقات تنتظر إنجاز الملف التخطيطي المكاني، لا سيما في المناطق المحرّرة الموضوعة على لائحة الأولويات في إعادة الإعمار، ولدى مختلف الجهات ملفّاتها التي تنتظر الانتهاء من عمليات المسح والتخطيط، لتوجيه بوصلة التنفيذ والعمل على الأرض، وبالتالي تتجّه الأنظار حاليّاً نحو هيئة التخطيط الإقليمي، من أجل تمهيد الطريق أمام الانطلاقة التنمويّة العمرانيّة والاقتصاديّة الحقيقيّة.