الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
على نحو متزايد بات شرقي البحر الأبيض المتوسط موضعاً لمزيد من التوتر نتيجة معابر اللجوء الخطرة بين ليبيا وأوروبا، وتدفق الأسلحة والمرتزقة، وما زاد الطين بلة قيام سفينة المسح الزلزالي التركية التي تحرسها سفن حربية بإجراء أبحاث في مياه تتحدث اليونان عن تبعيتها لها أيضاً.
ساهم برنامج التنقيب التركي ودبلوماسية الزوارق الحربية التي تبعته منذ منتصف شهر آب في خلق ظروف محفوفة بالمخاطر، ما حدا بوزير الخارجية الألماني هايكو ماس للتحذير بالقول “اندلاع أي شرارة ما قد يقود إلى كارثة”، ولم تلبث تركيا في الأسبوع الذي تلاه حتى عمدت إلى الإعلان عن إجراء تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية قبالة الساحل الشمالي لقبرص، حيث تخطط اليونان أيضاً لمناورات بحرية منافسة بالاشتراك مع كل من فرنسا وقبرص وإيطاليا الأمر الذي أدى إلى انقسام داخل الاتحاد الأوروبي حول أسلوب التعاطي مع تركيا، ومسألة التعاون مع دول بعيدة مثل مصر والإمارات العربية المتحدة.
وتصاعدت التوترات بين الدولتين عندما هدد أردوغان بعدم التنازل عما يخص بلاده، وإعلان اليونان عن توسيع مساحتها البحرية حول بعض الجزر غير المرتبطة بالنزاع.
لماذا تندلع التوترات بين تركيا واليونان في الوقت الراهن؟!.
من الناحية الظاهرية فإن أسباب الخلاف تعود إلى موارد الطاقة، إذ نجد تداخلاً في الادعاءات التركية واليونانية فيما يتعلق بمناطق المياه الغنية بالغاز في شرقي البحر المتوسط. ويتلخص موقف اليونان بأن لكل جزيرة من جزرها – وهناك الآلاف منها- الحق بجرفها القاري وبالتالي بحقوق التنقيب الحصرية. وقد وقف الاتحاد الأوروبي بشدة إلى جانب اليونان وفرض عقوبات على أنقرة شهر تموز الفائت من جراء قيامها بالمسح الزلزالي قبالة الساحل القبرصي الشمالي، وقد سبق له وأن حذّر تركيا مراراً وتكراراً من مغبة تنفيذ المزيد من العمليات الاستكشافية.
لكن ادعت تركيا بالقول إن ما أطلقه الاتحاد الأوروبي ليس إلا نتيجة تفسير خاطئ للقانون الدولي وتعدٍ على المنطقة الاقتصادية الخاصة بها، الأمر الذي بدا واضحاً خلال الأشهر المنصرمة عندما بذلت كل من تركيا واليونان المساعي لتعزيز مطالبهما الإقليمية من خلال إنشاء مناطق اقتصادية بحرية خاصة مع ليبيا ومصر على التوالي.
أسباب تاريخية للعداء..
يعود العداء اليوناني – التركي إلى ما قبل إنشاء الجمهورية التركية بكثير، وتمتد جذوره إلى خلافات طفيفة وخلافات خطيرة بشأن الفظائع التاريخية، إلا أنه في النصف الثاني من العقد الماضي تركزت الخلافات على وضع قبرص، وأدى الغزو التركي للجزيرة عام 1974 إلى احتلال القوات التركية الثلث الشمالي من الجزيرة ما أدى إلى نزوح القبارصة اليونانيين عن المنطقة. وفي عام 1983، أعلن سياسي تركي- قبرصي عن إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية التي لم تعترف بها أي دولة باستثناء تركيا، ومن ثم انضمت جمهورية قبرص رغم التقسيم إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004. وتصاعدت التوترات بين الجانبين اليوناني والتركي منذ ذلك الحين، وكان الطرفان على شفا حرب بشأن جزيرتين غير مأهولتين في بحر إيجه عام 1996.
أدت حالة الخلاف بشأن قبرص إلى نزاع في شرق البحر المتوسط نظراً لما تخاله تركيا من أن أي اتفاقية توقعها قبرص بشأن استخراج موارد الطاقة هي عملية غير قانونية إلا في حال مشاركة شمال قبرص التركية أيضاً، وكذلك ترى اليونان عدم مشروعية التنقيب التركي عن الغاز قبالة قبرص.
ما هي العوامل الأخرى التي أدت إلى تدهور العلاقات بين الجانبين؟.
يعود أحد أسباب تفاقم الخلاف بين البلدين إلى تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط إلى أوروبا عبر تركيا، حيث تساوم تركيا الاتحاد الأوروبي بخصوص ما يقرب من 4 ملايين لاجئ ومهاجر تقول إنها تستضيفهم، كجزء من صفقة جرى توقيعها عام 2016. وفي شهر شباط الماضي، هدد أردوغان بفتح بوابات بلاده أمام عشرات الآلاف من طالبي اللجوء للعبور إلى اليونان، فأثار رد أثينا شديد اللهجة انتقاد منظمات حقوق الإنسان. وفي غضون ذلك وجه الاتحاد الأوروبي اتهاما لتركيا باستغلالها لورقة اللاجئين واصفاً إياها بأداة للمساومة.
وازداد تدهور العلاقات سوءاً في شهر تموز في أعقاب تحويل أي صوفيا إلى مسجد الأمر الذي أحيا نزاعاً دام قروناً طويلة، ما أثار حفيظة روسيا واليونان، اللتين تمثلان مركز المسيحية الأرثوذكسية.
وفي يوم الثلاثاء الماضي، وجه رئيس الوزراء اليوناني نيكوس دندياس اتهاماً لأردوغان بشأن سعيه لتنفيذ الاستراتيجية “العثمانية الجديدة” في شرقي البحر المتوسط بوصفها جزءاً من “محاولاته لتحقيق مآربه التوسعية لمواجهة جيرانه وحلفائه”، وتزايدت هذه الادعاءات بحق الرئيس التركي الذي لقبه معارضوه بالعثماني الجديد.
ويحظى نهج البلطجة التركي فيما يخص المياه المتنازع عليها بدعم واسع من قبل حزبين، إذ أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض تأييده لبرنامج التنقيب في البحر الأبيض المتوسط. وكذلك يرى خبراء أن تأمين موارد الطاقة المربحة في المنطقة جعلت تركيا معزولة على نحو متزايد لكنها تحظى بدعم شعبي، وفي هذا السياق قال خبير أمن الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إيميل حكايم: “قد تحظى مغامرة أردوغان في شرقي البحر الأبيض المتوسط بدعم متزايد أكثر مما حظيت به مغامراته الإقليمية الأخرى”.
هل ستقود التوترات القائمة إلى أعمال عنف؟.
الجدير بالذكر أن اندلاع حرب بين الدولتين العضوين في الناتو في البحر الأبيض المتوسط يعد كارثة حقيقية، علماً أن الجانبين قد أعربا عن رغبتهما بإجراء المفاوضات، ولكن نلاحظ تبنٍ لسياسة حافة الهاوية، لذلك لا يُستبعد التصعيد غير المتعمد. وفي هذا السياق، صرح أردوغان في يوم الأربعاء الماضي زاعماً: ” ندعو نظراءنا للاتزان والابتعاد عن اتخاذ خطوات خاطئة تؤدي بهم إلى الزوال، ومَن يُرد الوقوف في وجهنا وهو على استعداد لدفع الثمن، فليفعل ذلك”.
وظهرت ثلة من الأصوات المعتدلة، ومنها العضو في مجموعة الأزمات الدولية جوكسيل التي رأت تضاؤل آفاق قبول العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، وأنه أصبح من الصعوبة بمكان على السياسيين الحمائم في أنقرة تسليط الأضواء على حوافز التسوية، وأضافت: “ليس لدى الاتحاد الأوروبي جزر يقدمها لتركيا لتتوقف عن أحلامها القومية”.
المصدر: Time