الثورة – جهاد اصطيف وحسن العجيلي:
شهدت سوريا موجات متعددة من هجرة الصناعيين طيلة سنوات الحرب، لتحل الكارثة على الصناعة السورية، ويدفع الثمن المواطن أولاً وأخيراً.
بداية الهجرة ووجهتها
الزائر لأي منطقة صناعية في حلب يرى بأم العين كم لوحة كتب عليها عبارة “معمل برسم البيع”، فهناك المئات، بل الآلاف ممن هاجروا واستقروا في دول عملت على استقطابهم، وتقديم كل الدعم لهم.. وتعامل معهم النظام البائد من منطلق النظام الضريبي المرهق وعدم توفر أدنى مقومات العمل والبيئة التشريعية المناسبة، وكان يطلق الوعود لسنوات من دون أن يحقق أياً منها، ويتحف بها من تبقى صامداً في حلب، اأملاً منه في تحقيق مكاسب ذاتية لا أكثر، لينهار النظام المخلوع ويبقى القطاع الصناعي بحلب شامخاً.
قبل الحرب وبعد
يقدر عدد المنشآت الصناعية قبل الحرب بنحو ٣٣ ألفاً، قبل تقلصه إلى ٣ آلاف في العام ٢٠١٤، ليعود ويرتفع إلى نحو خمسة أضعاف خلال السنوات العشر الأخيرة.
المنشآت- إما دمرتها براميل وصواريخ النظام البائد، أو توفي مالكوها، أو هناك من قرر الهجرة إلى الخارج، وهنا بيت القصيد، ولم يكن أمام الصناعي إلا الخيار المر، إما البقاء والعمل تحت وصاية النظام المخلوع، وما يفرضه من ضرائب و”أتاوات” وسواها، وإما أن يهاجر وهذا ما تم غالباً.
ما كان يجري على أرض الواقع لم يكن يبعث على التفاؤل، بل عمد النظام البائد على عدم تطبيق أي قانون يجلب الفائدة للمناطق الصناعية بحلب، وكثير منها أصبحت “أثراً بعد عين” مثل منطقة الليرامون، قبل أن يقوم الصناعيون بمفردهم بتأهيل عدد من منشآتهم حتى ولو من دون تقديم إعفاءات بسيطة ورسوم ترميم مخففة، أو توفير حوامل طاقة وتأمين الكهرباء بأسعار معقولة.
نصيحة
دعا كثير من المحللين والاقتصاديين والخبراء والإعلاميين النظام البائد في حينها بالتدخل لوقف نزيف هجرة الصناعيين والأدمغة، ووقف هجرة الشباب حين أصبحت ظروف الحياة المعيشية في سوريا لا تطاق، والأوضاع الأمنية السيئة في ظل سيطرة “المافيات” المقربة من أجهزة المخابرات على مجمل الحياة العامة، وتعميق الفساد داخل المجتمع، لكن “لا حياة لمن تنادي” وبقي التعنت سيد الموقف، ليزيد “الطين بلة” ويعمق من الآثار الكارثية في سوريا.
سوريا المنتجة
قبل الحرب سوريا تنتج نحو ٨٠ في المئة من غذائها ودوائها ومنتجاتها، وتصدر الفائض إلى أكثر من ٦٠ دولة في العالم، وصنفت من الدول الخمس الأولى المنتجة للقطن، وستة ملايين طن من الحبوب، وخلال الحرب، فقد الاقتصاد السوري أكثر من ثلثي ثرواته الأمر الذي زاد من مصاعب الصناعيين في تأمين حوامل الطاقة، وهجرتهم التي كانت ولا تزال خسارة كبيرة للثروات الحقيقية وللخبرات.
بوادر التفاؤل
الأمر المشجع إعلان وزارة الاقتصاد والصناعة عن منحها تراخيص صناعية جديدة شملت ٣٤٥ منشأة في مختلف القطاعات، خلال الربع الأول من العام الجاري، والمتوقع أن تؤمن المنشآت ٤٢٤٢ فرصة عمل عند بدء تشغيلها.
توزعت المشاريع المرخصة على ٧٦ منشأة غذائية، توفر ٨٨٧ فرصة عمل، و١١١ منشأة كيميائية، توفر ٩١١ فرصة، و٩٤ منشأة نسيجية، توفر ٢٠٦٨ فرصة، إضافة إلى ٦٤ منشأة هندسية توفر ٣٧٦ فرصة.
مرحلة التعافي بدأت
حظي عدد من الصناعيين المهجرين ممن زاروا بلدهم سوريا، ومدينتهم حلب بلقاء الرئيس أحمد الشرع، ووزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور محمد نضال الشعار، تناولوا سبل عودة رجال الأعمال السوريين واستثماراتهم إلى سوريا، والصعوبات التي تعترض ذلك، من خلال سعي الوزارة لخلق بيئة استثمارية محفزة، ومعالجة كل المعوقات، واتخاذ جميع الإجراءات، لتسهيل عودة رجال الأعمال السوريين المغتربين، ليساهموا في بناء سوريا الجديدة والحرة.
عودة الصناعات تنشط الاقتصاد
يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور محمد غريب في حديثه لـ”الثورة” أن عودة رجال الاقتصاد المهاجرين بسبب النظام البائد وخاصة الصناعيين منهم يسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني وتأمين فرص عمل كبيرة وبالتالي زيادة الدخل– هذا من وجهة نظر عامة.
وأضاف: إن عودة المستثمرين السوريين الكبار يسهم في تنمية الاقتصاد لأن لديهم الخبرة الواسعة بالسوق المحلية، ويشجع الصناعيين والحرفيين العاملين بالصناعات المتوسطة والصغيرة على العودة للوطن أيضاً.
تشجيع للاستثمار الأجنبي
ويؤكد الدكتور غريب أن عودة الصناعيين الوطنيين هامة، خاصة في المرحلة الراهنة كونهم أبناء الوطن ويتحملون المخاطرة الاستثمارية، وفي الوقت الراهن بعض المستثمرين الأجانب الذين يتطلعون إلى بيئة استثمارية أكثر استقراراً، مشيراً إلى أن عودة رؤوس الأموال الوطنية لمستثمرين معروفين إقليمياً ودولياً يشجع كذلك الاستثمارات الأجنبية على الدخول للسوق السورية.
ويتابع: من الضروري أن تقدم الحكومة للمستثمرين تسهيلات وإعفاءات سواء من ناحية الجمارك والضرائب أو التراخيص اللازمة إدارياً وصناعياً، مبدياً تفاؤله بالقادم من الأيام في ظل ما تشهده سوريا من حراك سياسي واقتصادي ينعكس إيجاباً على جميع المواطنين سواء رؤوس الأموال أو العاملين.