الثورة أون لاين – تحقيق سهيلة إسماعيل:
ثمة صعوبات وتحديات كثيرة تقف عائقاً في وجه تطوير القطاع الزراعي والنهوض به في حمص، ورغم تصريحات كافة الجهات المعنية الداعية للتطوير والتنمية، مازال واقع القطاع الزراعي في جهة والتصريحات في جهة أخرى، ولا يخفى على أحد أن الصعوبات تبدأ من تأمين مستلزمات الإنتاج (أسمدة بكافة أنواعها ومبيدات حيوية – مياه لري الأراضي الزراعية – محروقات وغيرها ..)، فالزراعة في حمص وكغيرها من المحافظات – رغم مجاراتها في الأهمية لقطاع الصناعة والتجارة لجهة تحقيق الأمن الغذائي – ما زالت زراعة تقليدية تفتقد إلى ثقافة المزارع بالدرجة الأولى، وهي ثقافة لن تُولد بين ليلة وضحاها بل يلزمها إعداد صحيح ومدروس، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية موقع مدينة حمص وتنوع مناخها ووجود مئات الآلاف من الهكتارات القابلة للزراعة.
وهنا لا يمكننا إلقاء اللوم على المزارع، لأنه في أغلب الأحيان يقف مكتوف الأيدي أمام عوائق لم يصنعها هو وإنما تراكمت عبر سنوات طويلة حتى أصبح إيجاد مخرج منها أمرا في غاية الصعوبة، وتنتهي بتسويق المنتجات قي السوق المحلية، سوق لا تظلم المزارع حتى لا يذهب تعبه سدىً.
وهنا سنستعرض آراء المزارعين وفي مختلف مناطق المحافظة حيث تحدثوا عما يواجههم من صعوبات، ثم نعرِّج وجهات نظر المعنيين ومدى تطبيقها على أرض الواقع .
مزارعو المنطقة الشرقية : نريد دعما حقيقياً
ذكر عدد من مزارعي الريف الشرقي في حمص (الجنوبي والشمالي) أنهم يعانون من قضية الحصول على المازوت لحراثة أراضيهم، كما يعانون من قضية الحصول على البذار من مؤسسة إكثار البذار، وتأمين المبيدات والأدوية الزراعية المضمونة وغير المهربة وارتفاع أسعارها لدى القطاع الخاص، وكذلك عدم السماح لهم بزراعة بعض المحاصيل لعدم توفر المياه اللازمة للري، لكن الصعوبة الكبرى تتجلى برأيهم في قضية تسويق المنتجات الزراعية سواء كانت خضار وفواكه (بندورة – بطيخ – خيار – ملفوف – تفاح – لوز) بسعر يتناسب مع كلفتها، أو كانت محاصيل استراتيجية مثل القمح والشعير، فالأسعار المطروحة من قبل المؤسسة السورية للحبوب ما زالت أقل بكثير من سعر القاع الخاص، وهكذا يجد المزارعون أنفسهم في حالة من الضياع، وخاصة عندما يشعرون أنهم عرضة لتحكم التجار في ظل غياب جهة حكومية تنصفهم وتسوق منتجاتهم .
صعوبات التسويق:
لم تختلف معاناة مزارعي الريف الغربي بحمص عن أقرانهم في الريف الشرقي، بل نكاد نقول إنها عينها مع وجود بعض الفروقات الطفيفة، حيث تحدثوا عن ارتفاع الكلفة المالية للحصول على منتجات زراعية جيدة، أجور الحراثة والنقل وتأمين الأسمدة، وصعوبة التسويق، ولنأخذ مثالاً هنا ما يحدث عند تسويق موسم التفاح أو زيت الزيتون أو القمح، فمعظم المزارعين يعانون من صعوبة تسويق محاصيلهم حتى إن مزارعي التفاح في قرية فاحل وضعوا محصول التفاح في البرادات لأنهم لم يتمكنوا من تسويقه في موسمه، بالإضافة إلى أن الكمية المسوّقة من القمح الموسم الماضي ومن جميع مزارعي المحافظة لم تصل إلى نصف كمية الإنتاج ..!!
غياب مقومات الاستقرار الزراعي:
أما اتحاد الفلاحين باعتباره إحدى الجهات المعنية بتطوير القطاع الزراعي فقد تحدث رئيس الاتحاد يحيى السقا مشيراً إلى تقصير جميع الجهات، وانطلق من وجود مساحات شاسعة في بادية حمص لكنها تفتقر إلى أدنى مقومات الاستقرار للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية، حيث يبلغ عدد الأغنام مليون و600 ألف رأس غنم، لكن ليس هناك مراكز أعلاف في البادية، ولا يوجد آبار، وأضاف السقا أن التطوير يحتاج إلى الاهتمام جداً بالبادية، وذلك بإحداث مراكز تصنيع ألبان وأجبان وتجميع الحليب، ومنح المزارعين قروضا لشراء بكاكير بقروض مع منحهم مدة عام حتى بدء التسديد.
لتجنب استغلال التجار:
ومن ناحية أخرى يرى السقا أن تسويق المحاصيل ما زال ضعيفاً، فمعمل العنب اشترى من المزارعين العام الماضي خمسة آلاف طن فقط بينما كان مجمل الإنتاج 56 ألف طن، وتملك حمص خمسة ملايين شجرة لوز متوزعة في مناطق المحافظة لكن لا يوجد تسويق للمنتج، أما بخصوص بعض المحاصيل الاستراتيجية فيجد السقا أنه يجب الإعلان عن التسعيرة في وقت مبكر كي لا يتعرض المزارع لاستغلال التجار، وأشار السقا إلى وجود مساحات زراعية واسعة في منطقة الشعيرات والنزهة لكن الجهات المعنية منعت زراعتها لأنها نهاية خط المطر، بالإضافة إلى معاناة المزارعين من عدم جودة المبيدات الزراعية الداخلة عن طريق التهريب، رغم وجود 11 مركزا لبيع المبيدات الزراعية فلماذا لا يتم دخول المبيدات بشكل نظامي؟
ونقابة المهندسين الزراعيين لها رأيها.
بينما رأى نقيب المهندسين الزراعيين معين الصالح أن من مقومات التطوير الزراعي تطبيق طريقة الري الحديث، وتفعيل جمعيات المستفيدين من المياه، كما نوه الصالح إلى أهمية الاعتماد على الأرقام الإحصائية الخاصة بالمساحات المزروعة بكل نوع ليكون تسويق المُنتج دقيقاً، مع الأخذ بعين الاعتبار قضية تحديد الأسعار من قبل مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع المحافظة على هامش ربح معقول للمزارع .
وزراعة حمص لديها خطط ومقترحات …!!
ولدى مديرية زراعة حمص خطط وبرامج ومقترحات لتطوير الواقع الزراعي في المحافظة، حيث ذكر مدير المديرية المهندس نزيه الرفاعي أنه يتم حالياً العمل على البرمجة الخطية للمحاصيل ليصار إلى إسقاط البيانات على الخارطة الرقمية للمحافظة بالنسبة للمحاصيل والأشجار المثمرة والثروة الحيوانية على مستوى القرى من أجل ربط الخرائط مع برنامج التحليل الإحصائي.
كما تعمل المديرية على تصميم خارطة تتضمن منافذ تسويقية تتناسب مع احتياجات كل منطقة، وكذلك إعداد خارطة زراعية أولية تتضمن المشاريع التنموية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة والزراعات الأسرية الممكن تنفيذها.
أما بخصوص المقترحات المطروحة للنهوض بالواقع الزراعي في حمص فبين الرفاعي أنها تتلخص بإجراء إحصاء دقيق للثروة الحيوانية، ومنح تراخيص طويلة الأجل للفلاحين الذين تعرضت آبارهم للأضرار بسبب الأعمال الإرهابية، وتسوية أوضاع الآبار غير المرخصة، وإقامة محكمة خاصة بالدعاوى الحراجية، ودعم زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا، ومنح سعر تشجيعي لمزارعي القمح يتناسب مع تكاليف الإنتاج، وإنشاء مخبر مختص في المديرية بتحليل التبرة والأعلاف وجودة المنتجات الغذائية، وإقامة جمعيات تسويقية متخصصة، وتحديد جزء من الأراضي المستصلحة من قبل مشروع استصلاح الأراضي والتشجير المثمر من أجل زراعتها بالمحاصيل الاستراتيجية، وإقامة دائرة التنمية الريفية ودعم المرأة .
والوزارة تريد خطوات عملية:
يرى وزير الزراعة المهندس حسان قطنا أن كلام المعنيين بالقطاع الزراعي في محافظة حمص يبقى مجرد خطط واقتراحات، وهي لا تُحدث نهوضاً أو تطويراً للقطاع الزراعي رغم أهميتها في محافظة تتميز بمقومات زراعية كثيرة كالمساحات القابلة للزراعة والمياه وتميزها ببعض المحاصيل الاستراتيجية، والمطلوب القيام بخطوات جدية على أرض الواقع، كإحداث معامل للأسمدة بدل استيرادها، وأن يكون هناك بورصة للمنتجات الزراعية أي تخضع لمبدأ العرض والطلب عند التسويق ووجود آلية لتحديد أسعار المنتجات بشكل يومي ومنظم وفق النظام العالمي للفوترة، وإحداث جمعيات تسويقية في الريف وعدم السماح بالتسويق الخارجي إلا بعد تأمين حاجة السوق المحلية، والاعتماد على المكافحة الحيوية للآفات الزراعية، وزراعة أصناف زراعية تصنيعية للاستفادة منها في الصناعات الغذائية كفائض إنتاج، والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص عند تسويق المنتجات الزراعية.