الثورة- تحقيق هلال عون:
يقول أحد الباحثين الآثاريين، تعليقاً على المشروع الذي بدأته “الأمانة السورية للتنمية” والتي كانت تديرها أسماء الأسد زوجة رئيس النظام المخلوع، بحجة الترميم داخل التكية السليمانية: “عليك، عند دخولك التكية، أن تضع حبة تحت لسانك لأنك قد تُصاب بالجلطة مما ستراه”!.
تتابع “الثورة” في هذا التحقيق واقعَ التكية السليمانية حالياً، وواقع المشروع الذي بدأته “الأمانة السورية للتنمية” سابقاً، وكذلك طبيعة عمل اللجنة التي تم تشكيلها للدراسة وتقديم المقترحات.
المديرية لم تتجاوب
رغم عدم تجاوب المديرية العامة للآثار والمتاحف، ممثّلة بمديرة مكتب المدير العام التي تواصلنا معها على مدى يومين متتاليين (الثلاثاء والأربعاء الماضيين) ووعدتنا بإيصال رغبة “الثورة” باللقاء مع المدير العام للحديث عن واقع التكية، وماهية أعمال اللجنة التي تمّ تشكيلها مؤخراً لتقييم الواقع الراهن في التكية، تلك اللجنة التي قامت بجولتين ميدانيتين في الموقع، لكن للأسف لم تفِ مديرة المكتب بوعدها، ما اضطرنا للتواصل المباشر بالمدير العام عبر هاتفه النقال، طيلة يوم أمس، لكن كان الخط مغلقاً، قبل الظهر، وكان يفصل من دون أن يعلّق بعد الظهر.
بعد ذلك تواصلت “الثورة” مع خبراء وفنيين أعضاء في اللجنة، لكنهم رفضوا الحديث إلا بموافقة من المدير العام.
كل ما سبق لم يمنع من متابعة مجريات ما حصل، في هذا المعلم الأثري المهم، فقد تعاون معنا عضو في اللجنة، هو الباحث الدكتور عبد الرزاق معاذ، وقدم لنا معلومات وافية.. تعالوا نتابعها:
تعريف بالتكية السليمانية
تعد التكية السليمانية من أهم الآثار العثمانية في مدينة دمشق، وتضم مسجداً ومتحفاً وسوقاً للمهن اليدوية والتراث ومدرسةً. وسميت باسمها، نسبة إلى السلطان سليمان القانوني الذي أمر ببنائها عام 1554م في الموضع الذي كان يقوم عليه قصر الظاهر بيبرس، المعروف باسم قصر الأبلق في مدينة دمشق.
وكانت تخدِّم عابري السبيل والفقراء والحجاج في طريقهم، وتؤمن لهم الطعام والمأوى والتعليم للفقراء، وهي من تصميم المعماري التركي معمار سنان، وهو أشهر معماري عثماني في عصره، وأشرف على بنائها المهندس ملا آغا، وانتهى بناؤها سنة 1559 م في عهد الوالي خضر باشا. أما المدرسة الملحقة بها فتم بناؤها سنة 1566 م في عهد الوالي لالا مصطفى باشا.
تبلغ مساحتها أحد عشر ألف متر مربع، وأبرز ما يميز طراز التكية السليمانية مئذنتاها النحيلتان اللتان تشبّهان بقلمي الرصاص لشدة نحولهما، وهو طراز لم يكن مألوفاً في دمشق حتى تلك الحقبة.
مشروع كارثي!
عضو لجنة دراسة واقع التكية حالياً، ومدير عام الآثار والمتاحف سابقاً، الباحث الآثاري الدكتور عبد الرزاق معاذ، يقول: “يصعب فهم تفاصيل مشروع ما يسمى “الأمانة السورية للتنمية”، والإضافات الهائلة التي أضيفت للمبنى، وكأنه مشروع استثماري بحت، من دون النظر إلى كونه مبنى أثرياً ودينياً.
ويضيف: “المشروع الاستثماري المنفذ في التكية السليمانية كارثي، وأنا أتوخى الدقة والشفافية في كلامي، وأدعو إلى ضرورة مشاركة المجتمع المحلي والمهتمين بما يجري في تكيتهم التي هي ملك لسكان المدينة بالنتيجة، ولهم الحق بأن يقرروا في أمر توظيفها، وهي أيضا جزء من التراث العالمي لدمشق”.
لجنة مختصة
ويتابع: “اليوم وقد كلّفت المديرية العامة للآثار والمتاحف لجنة مختصة بتقديم تقييم للأعمال التي أنجزت وتقديم مقترحات، فإننا نحاول أن ننجز هذه المهمة الصعبة لهذا المشروع الكارثي، محاولين توخي الموضوعية والمنهجية العلمية وتقديم ما نستطيع أن نقدمه من نصيحة للجهة المالكة، وهي وزارة الأوقاف بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف لكون البناء مسجلاً أثرياً.
وتواصل اللجنة المشكلة من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف أعمالها لتقييم الوضع الراهن وتقديم المقترحات”.
تكتم مريب
ولفت د. عبد الرزاق إلى أنه بالتعاون بين مديرية الآثار ووزارة الثقافة، تم سابقاً إعادة النظر بالمشاريع المقترحة لترميم وتدعيم التكية السليمانية بالتعاون مع مدير الهندسة والترميم في مديرية الآثار المهندس أيمن هاموك، وتم التنسيق مع اليونيسكو لتكليف مكتب هندسي مختص بالترميم في تركيا، وعلى حساب الحكومة التركية، متبرعة بذلك، وطلبنا أن يكون المشرف والمدقق على الأعمال هو البروفيسور الإنشائي جورجيو كروتشي، الخبير المعتمد دولياً لدى اليونيسكو، لكن كل هذا تم ضرب عرض الحائط به، وتم الإتيان بمكتب خطيب وعلني اللبناني من قبل الأمانة السورية للتنمية لإنجاز المشروع في التكية وبسرية وتكتم مريب وبأعمال غير مرضية، كما بدا للجميع ومن ضمنها قص الأشجار، وصبات بيتوتية ضخمة وغريبة، وتوظيفات غير لائقة في المبنى من مطاعم وبارات، وفهمت أنهم فهموا أن التكية هي مكان للأكل!
أعمال التّرميم مقبولة
وعن طبيعة عمل اللّجنة الحالية، قال: بكلّ موضوعية أرى أن الأعمال تنقسم، من حيث التصنيف إلى ثلاثة أقسام: الترميم للمبنى الأثري، والتدعيم، والمنشآت الحديثة المضافة.
كفحص أولي، وبكل موضوعية، وبانتظار أن يجري تقييم معمق أكثر لجميع أجزاء المشروع أرى أنّ الأعمال التي تتعلق بترميم البناء الأثري في التكية السليمانية مقبولة.
زال الخطر
أما من الناحية الإنشائية، فإننا نطلب استشارة من خبير استشاري دولي للقيام بتقييم معمق، ولكن حسب ما رأينا فإن الخطر كما يبدو لنا قد زال، رغم أننا قد نختلف في الطرق المتبعة للتدعيم.
أقترح إزالة المشروع الكارثي وبخصوص المشكلة الكبرى التي تكمن في المنشآت الحديثة البيتونية التي أضيفت ضمن إطار مشروع استثماري كارثي للتكية، فنقترح إزالتها بعد إجراء دراسة إنشائية ودراسة إمكانية الإزالة من دون أن يشكل ذلك خطراً على البناء الأثري.
ويؤكد د. عبد الرزاق أنّ أغلبية أعضاء اللجنة ارتأوا إزالة الأجزاء العُلوية الظاهرة من هذه الأبنية البيتونية والاحتفاظ بجزء بسيط يتعلق بالخدمات.
ومازال الموضوع قيد البحث، وكذلك المقترحات المتعلقة بالتوظيف وإعادة سوق الصناعات اليدوية إلى سابق عهدها والذي نراه ضرورياً، وستوضع المقترحات تحت تصرف وزارة الأوقاف بالتنسيق مع مديرية الآثار والمتاحف.
إضافات مسيئة جداً
وعن خلاصة رأيه، قال د. عبد الرزاق: خلصت إلى ما يلي:
أولاً: تم التعامل من قبل ما يُسمى “الأمانة السورية للتنمية” كمشروع استثماري من دون الأخذ في الحسبان الصفة الأثرية والدينية للمبنى، مما أدى إلى نتائج كارثية.
ثانياً: الانطباع الأولي لترميم المبنى الأثري كان مقبولاً بالنسبة لي.
ثالثاً: من ناحية التدعيم: رغم تحفظي عموماً على الإجراءات الإنشائية البيتونية للتدعيم من قبل مهندسي البيتون، لكن يبدو أنه لا يوجد خطر على سلامة المبنى الآن، كما ذكر الزملاء الإنشائيون الذين في اللجنة.
رابعاً: الإضافات البيتونية التي أضيفت على المبنى بقصد التوظيف والاستثمار مسيئة جداً وغير مقبولة أبداً، وأرى ضرورة إزالتها، بعد دراسة ما قد يشكل هذا من خطر على المبنى الأثري، وربما تكفي إزالة القسم العلوي الظاهر منها فقط لعدم المس بالسلامة الإنشائية للمبنى الأثري، وكذلك الإضافات داخل المبنى الأثري، وستوضع هذه الملاحظات والتقييمات في عهدة مالك المبنى، ليتم اتخاذ الإجراء المناسب بالتنسيق مع مديرية الآثار لإنهاء المشروع من حيث التكليف والقيام بالإزالات والتقييم الإنشائي والترميمي للمبنى.
وأخيراً قال: زار وفد من السفارة التركية، بعد افتتاحها في دمشق التكية السليمانية، وتم استلام جميع أعمال الترميم والتأهيل من قبلهم.