اقتصاد على النار.. مطاعم دمر الشعبية بين الحفاظ على السمعة والخسائر

الثورة- تحقيق: سعاد زاهر

بين أزقة دمر القديمة، تختلط رائحة المشاوي مع صوت المولّدات وضجيج الزبائن الباحثين عن وجبة تُشبه الماضي.

تبدو مطاعم دمر الشعبية للوهلة الأولى مجرد محال صغيرة تقدّم الصفيحة والكباب والمعجنات، لكنها في العمق مختبر حيّ للاقتصاد السوري المأزوم.

هنا، يتحول الطعام إلى مرآة للأخلاق والأسعار، والزبون إلى مؤشر حيّ على تراجع القدرة الشرائية، فيما يعيش أصحاب المطاعم صراعاً بين الالتزام بالجودة أو مجاراة الغش من أجل البقاء، نتابع واقع عمل المطاعم في هذا التحقيق

ذاكرة عائلي

يقول “أحمد. ن”، صاحب مطعم شعبي للمشاوي منذ 35 عاماً، إنه ورث المهنة “أبّاً عن جد”، ويعتبرها جزءاً من هويته قبل أن تكون مصدر رزقه، ورغم حصوله على دبلوم في العلوم السياحية، إلا أنه اختار البقاء في مطبخ دمر الشعبي يقول: لدينا زبائن قدامى لا يتخلون عنا لأنهم يعرفون أننا نبيع اللحم الجيد، لكن المسألة لم تعد مرتبطة بالسمعة فقط، فالكيلوغرام الواحد من اللحمة الطازجة يشتريه أحمد بـ 110 آلاف ليرة سورية من سوق الجملة، ليبيعه بـ 120 ألفاً، بينما يبيع بعض المنافسين اللحوم بأسعار أقل تصل إلى ما بين 70 و 90 ألف ليرة.

هنا تبدأ إشكالية السوق، هل يختار الزبون السعر الأرخص، حتى لو شكك في الجودة أم لا؟ الغش في المصلحة، ليس مجرد حادثة عرضية، بل أصبح وسيلة للثراء في بعض المطاعم.

يشير “أحمد. ن” إلى أن لحم الجاموس المستورد، يباع بـ 50 ألف ليرة فقط للكيلوغرام، ويُخلط غالباً مع لحم العجل الرخيص القاسي لخفض التكلفة.

من الناحية الاقتصادية، هذا الغش يعكس استراتيجية لزيادة الأرباح، فالمطعم الذي يبيع بسعر 70 ألفاً للكيلوغرام يستقطب شريحة أوسع من الفقراء، لكنه في المقابل يضحي بالجودة ويضع المستهلك أمام خطر صحي مباشر، أما المطاعم الأصيلة، فترفض هذه الممارسات وتتحمل خسائر أحياناً.

مهند نادر، مستثمر أحد مطاعم دمر الشعبية، يؤكد أن الطلب على اللحوم تراجع بشكل ملحوظ، ويضيف: قد يمر أسبوع كامل لا نبيع خلاله أكثر من 15 كيلوغرام لحم.

هذه الأرقام تكشف واقعاً اقتصادياً صعباً:

ويوضح أن سعر كيلو اللحمة النيئة 120 ألفًا، سعر بيعها مطبوخة (مشاوي أو كباب) 150-160 ألفاً، سعر الصفيحة 130 ألفاً، لكن مع متوسط دخل شهري يتراوح بين 850 ألف ليرة سورية وأكثر بقليل من المليون، فإن شراء كيلو واحد من اللحمة يستهلك نحو 12-15% من الدخل، وهو ما يجعل اللحمة سلعة شبه ترفيهية، لا يستطيع المستهلك اقتناءها إلا نادراً.

التكاليف الخفية

لا تقتصر أزمة مطاعم دمر على اللحوم، فانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الطاقة يضاعفان الأزمة، وشراء مولد كهربائي أو ألواح طاقة شمسية يعني زيادة التكلفة التشغيلية بنسبة قد تصل إلى 40%، لكن إن لم تُشترَ هذه البدائل، تتوقف الثلاجات والمشاوي وتتعطل دورة الإنتاج.

في هذه المعادلة المستحيلة، تصبح المطاعم بين خيارين، رفع الأسعار (مع غياب قدرة شرائية حقيقية لدى الزبائن) أو تحمل خسائر يومية، وهو ما يدفع الكثير من المطاعم الصغيرة إلى تراكم الديون في السوق.

دمر مقابل المزة

إذا قارنا مطاعم دمر بمطاعم المزة الدمشقية، نلاحظ أن لكل منطقة أزماتها: ففي دمر، المشكلة الأساسية هي تفاوت الأسعار والغش باللحوم، نظراً لوجود منافسة شرسة بين المطاعم الشعبية، أما في المزة، إذ توجد مطاعم أكثر حداثة وزبائن من طبقة وسطى أعلى نسبياً، فإن الأزمة تتمثل في ارتفاع تكاليف التشغيل (إيجارات، ضرائب، كهرباء) أكثر من مسألة الغش، ما ينعكس على أسعار مضاعفة أحيانًا عن دمر.

لذلك نستطيع القول: إن مطاعم دمشق الشعبية عموماً تعيش الأزمة نفسها (تراجع القدرة الشرائية، نقص الخدمات)، لكنها تتجلى بأشكال مختلفة حسب طبيعة المنطقة وطبقة زبائنها.

وبالنتيجة يمكن القول: تعيش المطاعم ارتفاعاً بتكلفة الإنتاج، إذ سعر اللحوم الطازجة مرتفع جداً مقارنة بالقدرة الشرائية، هناك سوق موازية، تتضمن لحوم مغشوشة أو مهربة، ما يخلق منافسة غير عادلة.

كذلك يبدو واضحاً تراجع الطلب، لأن المستهلك السوري بات يقلص استهلاكه للحوم، ما يخفض المبيعات بنسبة قد تصل إلى 50بالمئة مقارنة بعشر سنوات مضت.

وتطفو أيضاً مشكلة غياب الرقابة الفعالة، الأمر الذي يسمح لبعض المطاعم بتجاوز قوانين التموين، ويشجع على المزيد من الغش، إضافة إلى أزمة الطاقة التي تشكل عنصر ضغط غير مرئي، لكنه يضاعف التكلفة التشغيلية ويهدد الاستدامة.

هذه العناصر مجتمعة تضع مطاعم دمر في قلب أزمة اقتصادية حقيقية، تجعل من كل طبق مشاوي درساً في التوازن المفقود بين السعر والجودة.

آخر الأخبار
نقل دمشق: إجراءات لتسهيل نقل الملكية وتخفيض للرسوم "لوبان" إشارات الجمال سوريا بوابة إلى المتوسط ومركز للتنمية البحرية الصناعية والسياحة الأغذية المصنّعة.. لذّة سريعة وعبء صحي مؤجّل توازن الحياة بين العمل والأسرة.. رؤية إنسانية في زمن الضغوط تأهيل مدرسة عربين السابعة وتعبيد وتزفيت طريق السليمة - التل أهالي حي التضامن يشكون تراكم القمامة، و"النظافة" تعد بالحل ! التشاور مع الصناعيين ضمانة لاتخاذ قرارات متوازنة تعزز النمو خبراء يطالبون بإنقاذ قطاع النحل وتسويق تعاوني للعسل السوري هيئة التميز والإبداع لإعداد جيل يقود المستقبل التعرض للجوار بالإيذاء في القانون.. حفظ الحق لتماسك المجتمع مقهى النوفرة ينبض بذاكرة دمشق العمل الإنساني.. عندما يكون بأيادٍ أمينة اقتصاد على النار.. مطاعم دمر الشعبية بين الحفاظ على السمعة والخسائر بين سوء إدارة الإسكان وفسادها ضاعت أحلام الشباب بالمسْكَن مونديال الناشئين.. فوز فرنسا وخسارة السعودية الزراعات الاستوائية تتوسع.. والمزارع يغامر بسلّته الغذائية محطات المعالجة بطرطوس.. تأهيل وصيانة لرفع التلوث عن مصادر المياه بعد سنوات الغياب.. المعلّم رمضان يعود إلى حلب ليزرع الأمل والعلم لقاءات متكافئة في الجولة الرابعة من الدوري الأوروبي