الثورة – جهاد اصطيف:
في قاعة صغيرة بإحدى مدارس التعليم المهني في مدينة حلب، يجلس المعلم المثنى رمضان محاطاً بطلابه، وهو يشرح لهم تفاصيل دقيقة عن تصميم الآلات وبرمجة المكنات الصناعية.
غير أن ما يميز هذا الدرس ليس فقط محتواه العلمي، بل قصة المعلم ذاته، الذي عاد بعد سنوات من الغياب، ليؤكد أن العلم لا يموت، مهما عصفت به الحروب.
رمضان الذي عاد إلى حلب بعد التحرير بنحو شهر، يوضح خلال حديثه أنه حزم أمتعته وعاد إلى بلده، كانت فرحته لا توصف، فقد وصل إلى مرحلة ظن فيها أن العودة أصبحت حلماً بعيد المنال، لافتاً إلى أنه اليوم هنا مجدداً بين طلابه لزرع الأمل والعلم في نفوسهم.

جبهة البناء بعد الحرب
كان المثنى رمضان قد عين في وزارة التربية عام 2006، وعمل في التعليم المهني لسنوات، قبل أن تنهي الوزارة خدمته عام 2017 بسبب عدم التحاقه بالخدمة الاحتياطية.
وبعد خروجه من البلاد، استقر في تركيا نحو ثماني سنوات، حيث عمل في مجالات التصميم الصناعي، والرسم الهندسي، وتصميم قوالب الحقن، وبرمجة مكنات CNC ثلاثية وخماسية المحاور.
ويضيف: تركيا بلد متقدم تقنياً، وقد استفدت كثيراً من خبرتي هناك، واليوم أحاول أن أنقل ما تعلمته إلى طلابنا، لنبني جيلاً يمتلك المهارة والمعرفة، ويحب وطنه ويعمل من أجله.
يعد قطاع التعليم المهني في سوريا أحد أهم مفاتيح النهوض الاقتصادي بعد سنوات الحرب الطويلة، فبينما تهدف الحكومة إلى إعادة تأهيل البنية التعليمية، يعاني الميدان من نقص في الكوادر الفنية والتقنية نتيجة الهجرة أو التقاعد أو الظروف الأمنية السابقة.
يؤكد المعلم رمضان أن العودة إلى التعليم اليوم، ليست مجرد عودة إلى الوظيفة، بل هي مساهمة في إعادة بناء الإنسان قبل الحجر، منوهاً بأن جيل اليوم يحتاج إلى من يمنحه الثقة، ويشجعه على الابتكار رغم صعوبة الظروف.
جيل جديد .. برؤية جديدة
ورغم ضعف الإمكانيات المادية والتقنية في كثير من المدارس، يرى المثنى رمضان أن الإرادة ما زالت أقوى من التحديات، يقول: نحاول ضمن الإمكانيات المتاحة في وزارة التربية أن ننشئ جيلاً واعياً، يحب وطنه ويحافظ عليه، نحن بحاجة إلى أن نعيد الاعتبار للتعليم المهني، لأنه طريقنا نحو التعافي والإنتاج.
قصة رمضان تشبه قصصاً كثيرة لمعلمي سوريا الذين اضطرتهم الحرب إلى الغياب، ثم أعادتهم الرغبة في المساهمة والبناء، عودته ليست مجرد حكاية فردية، بل رمز لإصرار آلاف الكفاءات على النهوض مجدداً رغم ما خسرته البلاد من طاقات خلال السنوات الماضية.
وفي وقت تتجه فيه الأنظار إلى إعادة الإعمار، يبرز التعليم المهني كأحد أعمدة المستقبل، ومعلمون مثل المثنى رمضان كجنود صامتين يعملون في الميدان، لا يطلبون سوى أن تتاح لهم الفرصة ليزرعوا العلم، كما يزرع الفلاح سنابل الأمل في أرض عطشى.