الثورة – علي إسماعيل:
بدأ الرئيس السوري أحمد الشرع جولة خارجية تشمل البرازيل والولايات المتحدة، في زيارة هي الأولى له إلى أميركا الجنوبية، والأولى رسمياً لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة، حيث وصل الشرع اليوم إلى البرازيل للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 30)، قبل أن يتابع جولته بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.
للدبلوماسية لغتها الخاصة التي تختصر المسافات وتفتح آفاق العمل السياسي في خدمة وتنمية دولها وفي هذا الإطار بدأ السيد الرئيس السوري أحمد الشرع برفقة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني إلى البرازيل، على رأس وفد رفيع المستوى للمشاركة في المؤتمر الثلاثين للأمم المتحدة بشأن المناخ بحسب ما صرح به مصدر في الخارجية السورية لصحيفة “الثورة”.
وأكد المصدر أن الرئيس الشرع يترأس وفداً رفيع المستوى إلى قمة COP30 في مدينة بيليم، حيث سيشارك في الجلسات العامة والاجتماعات الثنائية على هامش المؤتمر، كما سيلتقي للمرة الأولى برئيس جمهورية البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لفتح حوار بين بلدين صديقين.
في هذه الزيارة نحو قادة العالم والعلماء والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني سيجتمعون لمناقشة الإجراءات ذات الأولوية للتصدي لتغير المناخ، إذ قالت الخارجية السورية، إن دمشق تدخل فصلاً جديداً من الانخراط العالمي؛ إذ تمثل زيارة الرئيس الشرع إلى البرازيل أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى أميركا اللاتينية منذ التحرير، وأول مرة يخاطب فيها رئيس سوري مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP).
الزيارة تأتي ضمن الأجندات السياسية والدبلوماسية السورية التي تسير وفق سياسة الانفتاح المتوازن على العالم بما يحقق المصالح الوطنية السورية ويصحح المسار السياسي الذي كان قائماً قبل التحرير، لذلك فإن الزيارة تتعدى مسارات المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2025 لتكون محطة دبلوماسية جديدة وإنجازاً جديداً يحسب للسياسة الخارجية السورية.

نجاح دبلوماسي غير مسبوق
الزيارة كونها هي الأولى لرئيس سوري إلى أميركا اللاتينية منذ التحرير، وأول مشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP)، يشير إليها المختص بالقانون الدولي والعلاقات الدولية، المعتصم الكيلاني، إلى أنها استثمار استراتيجي على عدة مستويات (سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، حقوقية وقانونية) مع شريك دولي يتمتع بوزن ومكانة متنامية، يمكن الاستفادة منها في سياق سوريا التي تبحث عن إعادة تموضع في النظام الدولي.
وأكد الكيلاني في حديثه لـ”الثورة”، على أن الزيارة تمثل تحوّلاً في مسار السياسة الخارجية السورية نحو فضاءٍ جديد خارج المحاور التقليدية الشرق أوسطية/أوروبية، الأمر الذي يعزّز موقعها الإقليمي والدولي.
مضيفاً: “التواصل مع البرازيل يمكّن دمشق من حيازة شريك سياسي مهمّ في أميركا اللاتينية، ما يعطيها بطاقة عبور إلى شبكة الدول النامية وجنوب الكرة الأرضية، خاصة أن البرازيل تُعدّ من الدول التي تتبنّى مواقفاً مستقلة في ملفّات الشرق الأوسط، فمثلاً رصد أنها صوّتت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضد انتهاكات إسرائيلية”.
في ذات السياق، لفت الكيلاني إلى أن وجود هذه العلاقة السياسية القوية يمكن أن يمنح سوريا “صوتاً من الجنوب” في المحافل الدولية، ما يعزز قدرتها على المناورة والتموضع الاستراتيجي.
وترتبط سوريا بالبرازيل بعلاقات صداقة تاريخية عززها ترابط ثقافي حضاري لوجود جالية من السوريين تأسست في نهاية القرن التاسع عشر وتقدر بنحو 7 ملايين نسمة، وقد أسهم هؤلاء في تطور البرازيل في شتى المجالات.
يذكر أن زيارات عدة ووفوداً رسمية تم تبادلها بين الجانبين منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1945 كان آخرها على المستوى البرلماني في كانون الثاني 2018 حيث زار دمشق وفد من النواب الفيدراليين البرازيليين والتقى مع عدد من أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية السورية البرازيلية وممثلين عن اتحاد غرف التجارة في سوريا، لكنها لم تعد بالنتائج الإيجابية على البلاد.
حضور رفيع وتمثيل وطني
أن يكون الرئيس الشرع على رأس وفد رفيع المستوى والمشاركة في الجلسات العامة والاجتماعات الثنائية يؤكد على الجدية في توسيع نطاق العلاقات الدولية المتوازنة، خاصة أن الزيارة بحسب الوكالة الرسمية السورية “سانا”، تتضمن لقاءات ثنائية مع قادة ووفود الدول المشاركة على هامش القمة.
لذلك تعد الزيارة أول انفتاح مباشر نحو أميركا اللاتينية تسعى من خلاله القيادة السورية إلى بناء جسور تعاون مع دول الجنوب العالمي، وتعزيز حضورها في المحافل الدولية.
لذلك مشاركة الرئيس في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP) تُعد خطوة استراتيجية لإيصال صوت سوريا في القضايا البيئية والتنموية، ولبحث آفاق الشراكة المتوازنة مع القوى الصاعدة في العالم.
وفي هذا الصدد، يقول الكيلاني: “على الرغم من أن التركيز الرئيسي للزيارة هو البُعد السياسي والدبلوماسي، فإن الباب مفتوح لإنشاء علاقات اقتصادية جديدة، فالبرازيل تملك قاعدة صناعية وزراعية هائلة، ويمكن لسوريا الاستفادة منها في سياق إعادة البناء أو التبادل التجاري”.
واستثماراً في العلاقات مع البرازيل، يرى الكيلاني، أنه يمكن لسوريا أن تفتح قناة للوصول إلى أسواق أميركا اللاتينية الأوسع، أو لجذب استثمارات، والبرازيل قد تصبح جرفاً اقتصاديّاً لدعم ملف إعادة الإعمار السوري، كذلك، التنسيق مع دولة تُطالب بإصلاحات في المؤسسات الدولية قد يسهّل حصول سوريا على دعم اقتصادي أو تمويل عبر مؤسسات متعددة الأطراف.
وتُعدّ قمة المناخ واحدة من أبرز وأهم المؤتمرات الدولية التي تُعقد تحت مظلة الأمم المتحدة، وتُكرس لمناقشة التحديات المعقدة للتغير المناخي.
ويُعقد هذا المؤتمر سنوياً ويشهد مشاركة واسعة تتجاوز 190 دولة، ما يجعله المنصة الرئيسية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمناخ على المستوى العالمي.
انفتاح على الجنوب العالمي
من الناحية الدبلوماسية، تمثل الزيارة فتحاً جديداً لجهة الانفتاح العالمي والدولي على جميع بلدان العالم، ضمن السياسة السورية الجديدة.
وحول ذلك نوه الكيلاني، إلى أن التوجّه نحو البرازيل يفتح “جبهة لاتينية” جديدة، ما يعني تنوّع الشركاء وتوسيع شبكة العلاقات، لأن دولة البرازيل تناضل من أجل إصلاح هيكلية United Nations Security Council (UNSC) وتوسيع عدد الأعضاء الدائمين، وهو ما يمنح سوريا فرصة للاستفادة من خطابٍ دولي داعم للدول النامية، كما أن البرازيل أيضاً تتبنّى مواقف واضحة في الملفات الحقوقية والقانونية (مثل فلسطين/إسرائيل) ما يجعلها شريكاً ذا “زخم دبلوماسي”.
مثلاً، الرئيس البرازيلي دعا في 2024 لإنهاء حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ولذا يعتقد الكيلاني أنه من الضروري التركيز على أهمية فتح جبهة دبلوماسية جديدة مع أميركا اللاتينية، وتعميق التواصل مع دول الجنوب العالمي كجزء من رؤية استراتيجية لتعدد الشراكات.
وحول أهمية العلاقة مع البرازيل ذهب الكيلاني نحو رؤية تُمكّن سوريا من أن تكون جزءاً من “منظومة دولية” تدعو إلى احترام سيادة الدول، الحق في التنمية، والعدالة الدولية، وهو ما يخفف عزلة دمشق على المستوى الدولي.
وقانونياً، البرازيل تدعم مراجعة دور مجلس الأمن والمؤسسات متعددة الأطراف، ما قد يفتح أفقاً لسوريا للمشاركة أو تأطير تحالفات قانونية جديدة داخل الأمم المتحدة، مضيفا بالقول: إن “البرازيل أيضاً اتخذت مواقف مناهِضة لانتهاكات حقوق الإنسان في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ما يعكس قدرة البلد على ربط البعد الحقوقي بالقضايا الدولية، حيث طالبت البرازيل بحلّ الدولتين، وانتقدت لما وصفته “ردّاً غير متناسب” من إسرائيل على غزة.
هذه المواقف ستوفّر لسوريا حليفاً دولياً ليس فقط من جهة أميركا اللاتينية كجغرافيا بل من جهة تأييد حقوقي-قانوني في الساحة الدولية، ما يمكن أن يُستخدم من دمشق لتعزيز موقفها في المحافل الدولية.
لقاء يشد الأضواء
على جدول أعمال الرئيس الشرع لقاء هام وللمرة الأولى مع رئيس جمهورية البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لفتح حوار بين بلدين صديقين.
بحسب ما أكده مصدر في الخارجية السورية لصحيفة “الثورة”، تنبع أهمية اللقاء من أهمية البرازيل كدولة محورية سياسياً واقتصادياً، فالبرازيل طالما سعت لأن تحصل على عضوية دائمة في مجلس الأمن، وهو هدف معلن منذ وقت طويل، والتحالف مع دولة تسعى لمكان دائم في مجلس الأمن يمكن أن يمنح سوريا “دعماً ثانوياً” في أي إصلاح مستقبلي أو تحالف دولي مع دول الجنوب، ما يعزز وزنها ومكانتها.
وكذلك، إقامة علاقة استراتيجية مع البرازيل قد تتيح لسوريا استثمار “نفوذ دبلوماسي متزايد” للبرازيل عندما تتحرك نحو عضوية دائمة، أو على الأقل تكون من بين الدول التي تُمثّل الجنوب وتضغط لإصلاح المؤسسات الدولية.
يذكر أن البرازيل أكبر دول أميركا الجنوبية، والخامسة عالمياً من حيث المساحة، والسادسة من حيث عدد السكان، يسكنها نحو 211 مليون نسمة وهي عضو مؤسس في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومجموعة البريكس.
وتولي البرازيل اهتماماً خاصاً بالتعاون التعليمي مع الدول كونه يسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويعزز قيم التسامح واحترام التنوع الثقافي ويشكل أداة لتعزيز التقارب الثنائي.