الثورة – منال السماك:
لم يبالغ المثل الشعبي القائل “الجار قبل الدار” لأهمية حسن علاقة الجوار، في بث الطمأنينة والأمان و الراحة، فإما أن تتسم علاقة الجوار بالاحترام وسمو الخلق وطيب المعشر وحسن المعاملة، فيعم الاستقرار والأمن الاجتماعي بين الجيران، أو يكون سوء التعامل والمغالاة في الإيذاء والإعتداء على الحقوق وإيقاع الضرر، سبباً لإندلاع نار المشاحنات والنزاعات، والتي قد تصل إلى العنف اللفظي أو الجسدي، وربما تقود من تجاوروا بالمسكن إلى قاعات المحاكم، لإنصاف المظلوم ومعاقبة المعتدي، تحت مظلة القانون الذي يحرص على تماسك المجتمع وأمنه.

فما هي وجهة نظر القانون، وما أنواع الأذى الواقعة بين الجوار، والعقوبات التي فرضها المشرع السوري، و ما هي الإجراءات الواجب اتباعها من قبل الجار المتضرر لينال حقه؟
إيذاء معنوي أو جسدي
تساؤلات عديدة كانت محور لقاء “الثورة” مع المحامي عز الدين العقاد، الذي أشار إلى أن مبدأ احترام الجوار يشكل أحد ركائز التعايش المدني في المجتمعات المنظمة، ولقد حرص المشرع السوري على تنظيم هذا المبدأ تشريعاً اجتهاداً، بما يحفظ الحقوق دون أن يجيز تعسف الفرد في استعمالها، فحيث ينتهي حق الشخص يبدأ حق غيره، وتحديداً في العلاقة بين الجوار لحساسيتها، ولكن قد يتعرض أحد الجوار للإيذاء، ويقصد به كل فعل مادي أو معنوي يصدر عن الجار، ويتسبب بأذى أو إزعاج أو ضرر مباشر أو غير مباشر للآخر، سواء أكان الضرر مادياً كالرمي العشوائي للنفايات، أو تسرب المياه أو التدخل بالأبنية المجاورة، و قد يكون الإيذاء معنوياً أو سمعياً، كإحداث ضجيج ليلي أو الصراخ واستخدام مكبرات الصوت خارج حدود المعقول صحياً و بيئياً، أو إطلاق الأدخنة وانبعاثات ضارة من ورشة أو مطعم دون إتخاذ إجراءات الوقاية.

التجاوز يجيز المساءلة
أوضح العقاد ذلك بالقول: في القانون السوري تنص المادة 768 من القانون المدني على أن لصاحب العقار أن يستعمله بما لا يضر بجاره ضرراً فاحشاً، وهذا يتجلى بمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق الذي كرسته محكمة النقض السورية، وباجتهاد قضائي من محكمة النقض.
إن استعمال الحق مقيد بعدم الإضرار بالغير، فإذا تجاوز الشخص الحدود المألوفة للاستعمال، اعتبر فعله تعسفاً موجباً للمساءلة المدنية.
و فيقانون العقوبات هناك عدة مواد تتناول الأفعال التي تشكل تعرضاً للجوار، فالمادة 730 تعاقب على التسبب بالضرر للغير عن إهمال أو قلة احتراز أو مخالفة للقوانين، والمادة 768 تفرض غرامة على من يحدث صخباً أو ضجيجاً يزعج الجوار، و المادة 573 وما بعدها تعاقب على الإيذاء الجسدي العمدي أو التهديد الواقع في سياق العداوات بين الجيران، وهناك اجتهاد قضائي بقرار من محكمة النقض، أن الضجيج المفرط ليلاً، إذا تجاوز الحد المألوف، و ألحق أذى نفسياً بساكني الحي، يعد مخالفة موجبة للعقوبة الحزائية.
من مخالفة إلى جنحة
ولفت العقاد إلى أن المحكمة المختصة في نظر النزاعات المتعلقة بإيذاء الجوار، فتتوزع الاختصاصات وفقاً لنوع وطبيعة الدعوى ونوع الإيذاء، فالضجيج والازعاج البسيط، في محكمة الصلح وهي دعوى مخالفة، أما الأذى الجسدي كالتهديد والتعدي على الممتلكات، تنظر في محكمة بداية الجزاء لأنها جنحة جزائية، وفي محكمة البداية المدنية أو الصلح المدني فتنظر بدعوى الضرر البدني المستمر وطلب التعويض وإزالة الضرر.
إجراءات الجار المتضرر
وأكد العقاد أنه في سبيل الحماية القانونية ينبغي على الجار المتضرر توثيق الضرر بتسجيلات صوتية أو فيديو، أو الاستعانة بشهود من الجوار، وتنظيم ضبط شرطة أو شكوى رسمية، ورفع الدعوى أمام المحكمة المختصة، مع المطالبة بوقف الضرر أو إزالته والتعويض المادي أو المعنوي، تحميل المعتدي التبعات القانونية والجزاءات المناسبة.
و ختم حديثه بالقول: إن حماية الجوار من الإيذاء لا تمثل مجرد تنظيم لعلاقة مدنية، بل هي ضمانة لاستقرار البيئة الاجتماعية، ولتفادي تحول الخلافات اليومية إلى خصومات قانونية مزمنة، ويجب على كل فرد معرفة أن حريته تقف عند حدود راحة الآخرين وسلامتهم.