الثورة – رزان أحمد:
في ظل الجامع الأموي، وبين أزقة دمشق القديمة التي تعبق برائحة الياسمين والذكريات، يقف مقهى النوفرة شاهداً على عراقة المدينة وأصالتها، كأحد أقدم المقاهي الدمشقية التي ما زالت تحتفظ بروح المكان وتفاصيله منذ أكثر من مئة عام، لتروي على فنجان قهوة ونرجيلة قصص الزمن الجميل ونكهة التراث التي لا تغيب.

فما زال المقهى حتى اليوم مقصداً للعابرين والسائحين وأبناء المدينة، وأول محطة يقصدها الزائر إلى قلب دمشق القديمة، حيث يجتمع فيه عبق الماضي بسحر الحاضر، فيتشارك الزوار والمثقفون متعة الحديث والاستماع إلى صوت الحكواتي الذي لا يزال يصدح كل مساء بحكايات الأبطال والأساطير.
يقول صاحب المقهى السيد أحمد الرباط بفخر وهو يتأمل المكان بكل حب، مقهى النوفرة ليس مجرد مكان لتناول القهوة، بل هو ذاكرة دمشق.
من يجلس هنا يعيش لحظات من الماضي بكل تفاصيله، من الكراسي الخشبية العتيقة إلى الصور التي تزين الجدران.
نحافظ على كل شيء كما كان منذ عقود، لأن الناس يأتون إلى هنا ليجدوا دمشق التي يحبونها.

روّاد المقهى، كما يصفهم الرباط، يجمعون بين أهل الحيّ الذين اعتادوا على أجوائه الحميمة كل مساء، والسياح ونزلاء الفنادق القريبة الذين يبحثون عن تجربة أصيلة تعيد إليهم سحر الحكاية الدمشقية الأولى.
ويحدثنا السيد مؤيّد الدرع، أحد روّاد المقهى القدامى المنحدر من مدينة حماة، بينما يحتسي قهوته المرة ويستمتع بأركيلة هادئة، قائلًا: “النوفرة بالنسبة لي ليس مجرد مقهى، بل هو خزان ذكريات يعود إلى أيام دراستي الجامعية وحتى اليوم.
لا شيء هنا مصطنع، كل شيء حقيقي: الأصوات، الروائح، وحتى الوجوه المليئة بالدفء”.

وفي زاوية المقهى، يجلس الحكواتي على كرسيه الخشبي العريق، يستعد كل مساء لرواية حكايات “عنترة وعبلة” و”الزير سالم”، وسط جمهورٍ يتابع بشغف ويصفق كما لو أنه يسمعها للمرة الأولى، في مشهد يعيد للذاكرة زمن المجالس الدمشقية القديمة.
ومع مرور السنين، يبقى مقهى النوفرة فضاء يلتقي فيه الماضي بالحاضر، وصوت الحكاية بصوت المدينة، شاهداً حيّاً على أن دمشق لا تكبر… بل تتجدد في ذاكرتها كل يوم.